كما أن في رواياتهم تفاوتا في وقت إعلان النبي صلى الله عليه وآله للمسلمين عن مكان نزوله في منى، فرواية البخاري تذكر أنه أعلن ذلك في منى بعد عرفات، بينما تذكر رواية الطبراني أنه أعلن ذلك في مكة قبل توجهه إلى الحج.. وهذا أقرب إلى اهتمامه صلى الله عليه وآله بالموضوع، وحرصه على تركيزه في أذهان المسلمين، خاصة أنه نزل في هذا المنزل ، وبات فيه ليلة عرفات، وهو في طريقه إليها كما تقدم في رواية الدارمي، ثم نزل في ذلك المكان بعد عرفات طيلة أيام التشريق! قال في مجمع الزوائد: 3 / 250: (عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل يوم التروية بيوم: منزلنا غدا إن شاء الله بالخيف الأيمن، حيث استقسم المشركون. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات). انتهى.
والمسألة المهمة هنا أن هدف النبي أن يذكر قريشا والمسلمين بحادثة عظيمة وقعت في هذا المكان، قبل نحو أربع عشرة سنة من ذلك اليوم فقط! وهي حادثة تريد قريش أن تدفنها وأن ينساها الناس، ويريد الله ورسوله أن تخلد في ذاكرة المسلمين والتاريخ.. وكلها عار على قريش، وفخر للنبي صلى الله عليه وآله وبني هاشم.. وصورة عن جهود فراعنة قريش ، حيث استطاعوا أن يحققوا إجماع قبائلهم، ويقنعوا قبائل كنانة القريبة من الحرم بالتحالف معهم وتنفيذ المقاطعة التامة لبني هاشم!!
وقد نفذوها لسنين طويلة وضيقوا عليهم اقتصاديا واجتماعيا تضييقا تاما، حتى يتراجع محمد عن نبوته، أو يسلمه بنو هاشم إلى قريش ليقتلوه!! وقد اعتبر الفراعنة يومذاك أنهم نجحوا نجاحا كبيرا وحققوا إجماع قريش وكنانة على هذا الهدف الشيطاني، وكان مؤتمرهم ذلك في المحصب في خيف بني كنانة حيث تقاسموا باللات والعزى على هدفهم، وكتبوا الصحيفة وختمها ثمانون رئيسا وشخصية منهم بخواتيمهم، وبدؤوا من اليوم الثاني بتنفيذها، واستمر حصارهم ومقاطعتهم نحو أربع سنوات وربما أكثر، إلى قبيل هجرته صلى الله عليه وآله من مكة!!
وقد تضامن بنو هاشم مع النبي صلى الله عليه وآله، وقبلوا أن يحاصروا في شعب أبي طالب ، مسلمهم وكافرهم ما عدا أبي لهب، وتحملوا سنوات الحصار والفقر والأذى والإهانة، ولم يشاركهم في ذلك أحد من المسلمين! حتى فرج الله عنهم بمعجزة!