يقال له شعب أبي طالب ست سنين من مبعثه. فأقام ومعه جميع بني هاشم وبني المطلب في الشعب ثلاث سنين، حتى أنفق رسول الله ماله، وأنفق أبو طالب ماله، وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها، وصاروا إلى حد الضر والفاقة.
ثم نزل جبريل على رسول الله فقال: إن الله بعث الأرضة على صحيفة قريش فأكلت كل ما فيها من قطيعة وظلم، إلا المواضع التي فيها ذكر الله! فخبر رسول الله أبا طالب بذلك، ثم خرج أبو طالب ومعه رسول الله وأهل بيته حتى صار إلى الكعبة فجلس بفنائها، وأقبلت قريش من كل أوب فقالوا: قد آن لك يا أبا طالب أن تذكر العهد وأن تشتاق إلى قومك، وتدع اللجاج في ابن أخيك! فقال لهم: يا قوم أحضروا صحيفتكم فلعلنا أن نجد فرجا وسببا لصلة الأرحام وترك القطيعة، وأحضروها وهي بخواتيمهم. فقال: هذه صحيفتكم على العهد لم تنكروها؟
قالوا: نعم.
قال: فهل أحدثتم فيها حدثا؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فإن محمدا أعلمني عن ربه أنه بعث الأرضة فأكلت كل ما فيها إلا ذكر الله، أفرأيتم إن كان صادقا ماذا تصنعون؟
قالوا: نكف ونمسك.
قال: فإن كان كاذبا دفعته إليكم تقتلونه.
قالوا: قد أنصفت وأجملت. وفضت الصحيفة فإذا الأرضة قد أكلت كل ما فيها إلا مواضع بسم الله عز وجل!! فقالوا: ما هذا إلا سحر، وما كنا قط أجد في تكذيبه منا ساعتنا هذه !! وأسلم يومئذ خلق من الناس عظيم، وخرج بنو هاشم من الشعب وبنو المطلب فلم يرجعوا إليه). انتهى.
- - قال ابن كثير في تاريخه: 3 / 121، وسيرته: 2 / 69:
قال ابن إسحاق: فلما مزقت وبطل ما فيها، قال أبو طالب، فيما كان من أمر أولئك القوم الذين قاموا في نقض الصحيفة يمدحهم:
ألا هل أتى بحرينا صنع ربنا * على نأيهم والله بالناس أرود فيخبرهم أن الصحيفة مزقت * وأن كل ما لم يرضه الله مفسد تراوحها إفك وسحر مجمع * ولم يلف سحرا آخر الدهر يصعد