بساير ما ذكرنا سابقا من الأخبار الدالة على أن الوصية من الأصل بحملها على صورة الشك كقوله ص الميت أحق بماله ما دام فيه الروح ان أوصى به كله فهو جايز لكن الأقوى هو الوجه الثاني لعدم جواز التمسك بالعمومات بعد العلم بكونها مخصصة بما دل على أن الزايد من الثلث يتوقف على إجازة الوارث الا إذا كان واجبا ماليا أو غيره بناء على التعميم والشبهة مصداقية لا يجوز التمسك فيها بالعموم على ما بين في محله فلا بد من الرجوع إلى الأصول العملية ومقتضى الأصل عدم وجوب الانفاذ لان الأصل عدم الانتقال إلى الموصى له بالنسبة إلى الزايد فان قلت الأصل عدم الانتقال إلى الوارث أيضا فكل منها حادث مدفوع بالأصل عدم الفعل بعد العلم بالانتقال عن الميت قلت بعد جريان أصالة عدم الانتقال إلى الموصى له وأصالة عدم ترتب الأثر على الوصية بالنسبة إلى الزايد لا يبقى شك في الانتقال إلى الوارث لان الحكم بالنسبة إليه معلق على مجرد الامر العدمي وبعبارة أخرى المقتضى بالنسبة إليه وهو الوارثية ووجود المال للمورث موجود والوصية مانعة وإذا جرى أصل العدم بالنسبة إليه فيترتب الحكم فلا معارضة بين الأصلين فما نحن فيه نظير ما إذا شككنا في وجود الدين للميت المانع من الإرث أو في أنه نقل ماله إلى الغير أولا ومن المعلوم ان مقتضى القاعدة اجراء أصالة العدم والحكم بالإرث فكذا فيما نحن فيه هذا واما الرضوي وسيأتي الاخبار فلا وجه للتمسك بها لعدم ثبوت خبرية الرضوي فضلا عن حجية وعدم دلالة سائر الأخبار وحملها على ذلك لا يمكن ان يجعل دليلا على الحكم المخالف للأصول هذا وسلك صاحب الجواهر مسلكا اخر في بيان المختار من أن الأصل هو الرد إلى الثلث الا مع العلم بالخلاف وهو ان عموم ما دل على النفوذ ومعارض بعموم ما دل على الرد إلى الثلث هو ظاهر في التوقف على الإجازة بمجرد اشتمال الوصية على الأزيد فيكون الامر على العكس مما ذكره القائل وأصالة النفوذ لا تعارض حق الغير أي الوارث قال ومن هنا قد اشتملت جملة من النصوص على الحكم برد الوصية الزايدة إلى الثلث بمجرد صدورها من الموصى كذلك ما لم يعلم سبب من أسباب التعلق بالأصل ولو من اقراره ولعل ذلك هو الأقوى ترجيحا لهذه الأدلة على تلك وان سلم كون التعارض بينهما من وجه أقول فيه نظر عن وجوه أحدها ان ظاهره جواز التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية وانه بما لم يتمسك به في المقام من جهة المعارضة وظهور المعارض في أنه ما لم يعلم الخلاف يحكم بالتوقف على الإجازة وفيه ما بين في محله من أن العمومات ليست متكفلة لبيان حال الموضوعات ولا لبيان الأحكام الظاهرية والواقعية معا كما هو لازم التمسك بها في الشبهات المصداقية كما لا يخفى الثاني ان ما ذكره من أن عموم ما دل على الرد إلى الثلث ناظرا إلى أنه بمجرد الاشتمال على الأزيد يرد الا إذا علم الخلاف فيه أنه ممنوع بل هو كالعموم السابق لا يثبت الا الحكم الواقعي وليس ناظرا إلى حال الجهل والشك كما لا يخفى الثالث ما ذكره من كون النسبة بين الدليلين عموم من وجه ممنوع بل الا الدالة على التوقف أخص من عمومات النفوذ كما لا يخفى الا انه لا يمكن التشبث به بعد كون الشبهة مصداقية إذ محصل الامر انه يجب إنفاذ الوصية الا إذا كانت أزيد من الثلث في غير الواجب والشك انما هو في أن ما صدر من الموصى من الواجب أولا فالوجه ما ذكرنا وما ذكره من أن أصالة النفوذ لا تعارض حق الغير صحيح الا ان ثبوت الحق غير معلوم إذ هو مقصود على غير مورد الوصية بالواجب فتدبر ثم لو ثبت ما ذكره من أن النصوص ظاهرة في الحكم برد الوصية بمجرد الاشتمال على الزايد ما لم يعلم سبب الخلاف لم يحتج إلى هذا التطويل إذ من المعلوم حكومته على عموم الدليل النفوذ ولو قلنا بجواز التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية فتدبر التاسع لا يخفى ان الوصية الواجبة غير الوصية بالواجب فلا يعتبر الأول من الأصل فلو نذر الوصية الفقراء بشئ فيجب عليه الوصية وبعد ذلك حاله حال سائر الوصايا التبرعية إذ هي لا تخرج بذلك عن كونها تبرعية وهذا نظير ما لو شرط في ضمن عقد لازم ان يوكل في بيع داره فالواجب عليه مجرد التوكيل ولا يمنع ذلك عن جواز العزل بعد ذلك وسيجئ خلاف بعضهم في ذلك وبعض الكلام فيه ثم لا يخفى ان ما يخرج من الأصل لا يتفاوت حاله في الوصية به وعدمها فبعد المعلومية يخرج من الأصل وإن لم يوص بل لو أوصى بالاخراج من الثلث يخرج منه إذا وفى وإذا لم يف فالزايد يحسب من الأصل بل لو أوصى بعدم الاخراج أصلا أيضا اخرج من الأصل ثم إنه لا فرق في خروج الوصية من الثلث أو الأصل بين كونها في حال الصحة أو المرض (وهذا كله واضح) ثم لا فرق في خروج الواجب من الأصل بين ما لو قلنا بكون المنجزات من الأصل أو الثلث فعلى الثاني أيضا يخرج من الأصل لأنه دين أو بحكمه وهو مقدم على الإرث وهذا كله واضح العاشر إذا توقف العمل بالوصية أو اخراج الواجب على بذل مال غير الموصى به وأجرة الواجب يجب صرفه ما دام الثلث وافيا في الأول واصل المال متحملا في الثاني الا ان يصدق عليه الضرر فلو توقف استيجار الحج على بذل مال لبغض الظلمة أو غير ذلك مما يعد ضررا ففي الوجوب اشكال وكذا بالنسبة إلى العمل بالوصية فما يكون من قبيل المقدمات يجب صرفه وإن لم يكن من الموصى به وكان التوقف نادرا اتفاقيا وما يكون من المساعدة بالظالم يشكل وجوبه لقاعدة نفى الضرر فتدبر واما القسم الثاني وهو التدبير فلا اشكال ولا خلاف في خروجه من الثلث وعليه الاجماع بقسميه والنصوص به مستفيضة أو متواترة ولا فرق بعد التصريح فيها بكونه من الثلث بين ما قلنا إنه عتق معلق أو قلنا إنه وصية أو قلنا إنه ايقاع مستقل ولا فرق أيضا من أن يوقعه في حال الصحة أو المرض هذا إذا كان معلقا على موت المولى واما إذا علقه على موت المخدوم أو الزوج بناء على صحته فيهما كما هو المعروف بينهم ويدل عليه صحيحة يعقوب ابن شعيب في الأول وخبر محمد بن الجهم المنجر بالشهرة وبرواية الحسن ابن محبوب عنه الذي هو من أصحاب الاجماع في الثاني ففي الأول سئلت أبا عبد الله ع عن الرجل يكون له الخادم ويقول هي لفلان تخدمه ما عاش فإذا مات فهي حرة فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل
(٩)