أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٩٤
المؤكد هو أن هذه الرواية موضوعة عن لسان الإمام ليثيروا الشك بين أتباعه وشيعته. ولا نعلق على احتمال التقديم والتأخير شيئا، سوى أنه يجعل معنى الآية شيئا مبهما في المورد الذي يطلب فيه الوضوح، إذ هي المرجع للقروي والبدوي، وللحاضر عصر النزول، والغائب عنه، فيجب أن يكون على نسق ينتقل منه إلى المراد، ثم إنه أي ضرورة اقتضت هذا التقديم والتأخير، مع إنه كان من الممكن ذكر الأرجل بعد الأيدي من دون تأخير؟ ولو كان الدافع إلى التأخير هو بيان الترتيب، وإن غسل الأرجل بعد مسح الرأس، فكان من الممكن أن يذكر فعله ويقال:
{فامسحوا برؤوسكم واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين}. كل ذلك يعرب عن أن هذه محاولات فاشلة لتصحيح الاجتهاد تجاه النص، وما عليه أئمة أهل البيت من الاتفاق على المسح.
3 - ما روي عن ابن عمر في الصحيحين قال: تخلف عنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفره، فأدركنا وقد أرهقنا العصر، وجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، قال:
فنادى بأعلى صوته: " ويل للأعقاب من النار " - مرتين أو ثلاثا - (1).
ويرد هذا الاستدلال: أن هذه الرواية على تعين المسح أدل من دلالتها على غسل الرجلين، فإنها صريحة في أن الصحابة يمسحون، وهذا دليل على أن المعروف عندهم هو المسح، وما ذكره البخاري من أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على بعض الرجل، اجتهاد منه، وهو حجة عليه لا على غيره، فكيف يمكن أن يخفى على ابن عمر حكم الرجلين حتى يمسح رجليه عدة سنين إلى أن ينكر عليه النبي المسح؟!
على أن للرواية معنى آخر تؤيده بعض المأثورات، فقد روي: أن قوما من أجلاف العرب، كانوا يبولون وهم قيام، فيتشرشر البول على أعقابهم وأرجلهم

(١) صحيح البخاري ج ١ كتاب العلم ص ١٨ باب من رفع صوته، الحديث 1.
(٤٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 ... » »»