أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٣٠
وأما العقل فقد دل على تنزهه من وصمة الحدوث والتغيير، وأنه تقدست أسماؤه أعلى من أن يقع معرضا للحوادث والتغييرات، ولأجل ذلك ذهبوا إلى امتناع البداء عليه - بمعنى الظهور بعد الخفاء والعلم بعد الجهل - لاستلزامه كون ذاته محلا للتغير والتبدل، المستلزم للتركيب والحدوث، إلى غير ذلك مما يستحيل عليه سبحانه.
فالآيات وكذلك الأحاديث المروية عن أئمة الشيعة (عليهم السلام) تشهد على علمه الذي لا يشوبه جهل، وعلى سعته لكل شئ قبل الخلق وبعده، وأنه يستحيل عليه الظهور بعد الخفاء، والعلم بعد الجهل.
وعليه فمن نسب إلى الشيعة الإمامية ما يستشم منه خلاف ما دلت عليه الآيات والأحاديث فقد افترى كذبا ينشأ من الجهل بعقائد الشيعة، أو التزلف إلى حكام العصر الحاقدين عليهم أو التعصب المقيت.
وبذلك يعلم بطلان ما قاله الرازي في تفسيره عند البحث عن آية المحو والإثبات، حيث يقول: قالت الرافضة: البداء جائز على الله تعالى، وهو أن يعتقد شيئا ثم يظهر له أن الأمر بخلاف ما اعتقده، وتمسكوا فيه بقوله: {يمحوا الله ما يشاء ويثبت}، ثم قال: إن هذا باطل، لأن علم الله من لوازم ذاته المخصوصة، وما كان كذلك كان دخول التغير والتبدل فيه باطلا (1).
وما حكاه الرازي عن " الرافضة " كاشف عن جهله بعقيدة الشيعة، وإنما سمعه عن بعض الكذابين الأفاكين الذين يفتعلون الكذب لغايات فاسدة، وقد قبله من دون إمعان ودقة، مع أن موطنه ومسقط رأسه بلدة (ري) التي كانت آنذاك مزدحم الشيعة ومركزهم، وكان الشيخ محمود بن علي بن الحسن سديد الدين الحمصي

(١) تفسير الرازي ٤: ٢١٦ تفسير سورة الرعد.
(٤٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 ... » »»