أوضحوه في كتبهم الكلامية. والمراد من اللطف المقرب هنا ما عرفت من أن رحلة النبي الأكرم تترك فراغات هائلة بين الأمة في مجالي العقيدة والشريعة، كما تترك جدالا ونزاعا عنيفا بين الأمة في تعيين الإمام. فالواجب على الله سبحانه من باب اللطف هو سد هذه الفراغات بنصب من هو صنو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في علمه بالعقيدة والشريعة، وفي العدالة والعصمة، والتدبير والحنكة، وحسم مادة النزاع المشتعل برحلة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولم شعث الأمة، وجمعهم على خط واحد.
والغريب أن المعتزلة الذين يذهبون إلى وجوب اللطف والأصلح على الله سبحانه، يشذون في هذا المقام عن معتقدهم هذا، مع العلم بأن هذا المورد من جزئياته، والذي منعهم عن الالتزام بالقاعدة في المقام بأنهم لو قالوا بها في هذه المسألة لزمهم أن يقولوا بعدم صحة خلافة الخلفاء المتقدمين على علي، لأن قاعدة اللطف تقتضي أن يكون الخليفة منصوصا عليه من الله سبحانه.
ثم إنك قد تعرفت على أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) - وبوحي من الله سبحانه - قام بتطبيق القاعدة، ونصب إماما للأمة، ليقود أمرهم ويسد جميع الفراغات الحاصلة بلحوقه بالرفيق الأعلى، وبذلك حسم مادة النزاع، وقطع الطريق على المشاغبين، ولكنه - وللأسف - تناست الأمة وصية الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمره، فانقسموا إلى طوائف وأحزاب، وقامت بينهم المعارك والحروب التي أريقت فيها الدماء، واستبيحت بسببها الأعراض، وتبدلت نتيجة لذلك المفاهيم، واختلفت القيم، واستثمر أعداء الدين هذه الاختلافات بين المسلمين فعمدوا إلى زيادة الهوة بينهم وكرسوا لذلك أقصى جهودهم حتى أصبح التقريب فضلا عن الوحدة أمرا متعسرا على المفكرين، نسأل الله سبحانه أن يسد تلك الفجوة العميقة بإيقاظ شعور علماء الأمة ومصلحيهم في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى.