الشيعة في الإسلام - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١١٩
فالعقل يدعو الانسان إلى التفكر والتدبر، وان ينتفع من كل وسيلة ممكنة، لتحقق أهدافه وأغراضه، فهو يعرج إلى السماء حينا، فيسير في الفضاء اللامتناهي، ويغوص في أعماق البحار أحيانا، فهو يدأب في استثمار أنواع الحيوان والنبات والجماد على ظهر البسيطة، وقد يتجاوز هذا الحد بأن يتجه إلى استثمار بني نوعه.
والانسان حسب طبعه الأولي، يرى حريته المطلقة في سعادته وكماله، وبما ان وجوده وجود اجتماعي، ومتطلباته في الحياة متعددة، والتي لا ينالها لوحده وبنفسه فحسب، بل بالتعاون مع أبناء نوعه وهم يتصفون بالغرائز ذاتها، بما فيها حب الذات والحرية، إذ تفرض عليه طبيعة المجتمع ان يضحي بقسط من حريته في هذا السبيل قبال المنافع التي يحصل عليها من الآخرين، فهو يقدم خدمة، وينتفع بما يقدمه الآخرون من خدمات، أي انه يتقبل الحياة الاجتماعية التي تتصف بالتعاون، باكراه وفرض.
وهذه الحقيقة تظهر جلية لدى الأطفال والفتيان، إذ أنهم في البداية، يحققون ما تصبو إليه نفوسهم بالفرض تارة والبكاء تارة أخرى، فهم يرفضون كل قانون أو عادة أو ما شاكل ذلك، ولكن على مر الزمان، وحسب تطورهم الفكري يدركون ان الحياة لا تتلائم مع الفرض والطغيان، فيمارسون ما يمارسه الفرد في المجتمع بشكل تدريجي، حتى يصلوا إلى ما يصل إليه الفرد في مجتمعه، من اتباع العادات والسنن والقانون، بالتالي يصبحون وهو يألفون المجتمع.
والانسان بعد تقبله الحياة الاجتماعية التي قوامها التعاون، يرى ضرورة القانون الحاكم على الحياة، وهو الذي يعين واجبات كل فرد من افراد المجتمع، ويضع الجزاء لكل من يخالف القانون، فإذا عم القانون وساد المجتمع، عندئذ ينال كل من افراد المجتمع السعادة المطلوبة، التي طالما تمناها.
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»