أقول: يحتمل أن يكون تخصيص إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) بالذكر نظرا إلى قوله تعالى: * (أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) * وقوله: * (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) * وقوله تعالى: * (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) * وتنبيها على أن الطريقة الحنيفية الحقة التي أمر الله عز وجل نبيه (صلى الله عليه وآله) طريقة الشيعة وإن كانوا هم الأقلين عددا الأخفين عند الناس قدرا وهي شريعة إبراهيم وحقيقة التوحيد.
- والدليل على ما ذكرنا، ما رواه ثقة الإسلام (رضي الله عنه) أيضا في روضة الكافي (1) عن أبي جعفر (عليه السلام): ما أحد من هذه الأمة يدين بدين إبراهيم (عليه السلام) إلا نحن وشيعتنا وما هدي من هدي من هذه الأمة إلا بنا، ولا ضل من ضل من هذه الأمة إلا بنا. انتهى.
وهذا الكلام منه (عليه السلام) تسلية لقلوبهم وتشويق وتزكية لهم وتقرير وتثبيت لهم على طريقتهم، ولذلك أكد كلامه بالقسم، وبحرف التحقيق، وبالجملة الاسمية، ويكون قوله (عليه السلام):
وإن كان هؤلاء إشارة إلى العامة العمياء وتعريضا عليهم، وأولئك إشارة إلى رؤسائهم أئمة الضلال، لعنهم الله تعالى، فإن الزمان كان زمان تقية والمكان مكان تقية.
والغرض من أول الكلام إلى آخره أن لا يحزنوا لما يرون في مخالفيهم من الكثرة والعزة الظاهرية والتنعم بالنعم الدنياوية، والتقلب في المشتهيات النفسانية من الأموال والزخارف، والرئاسة، ويرون في أنفسهم أضدادها، ولا يتنافسوا في الأموال ولا يرغبوا في الدنيا، وليفرحوا بما أنعم الله تعالى عليهم من دين الحق، الذي أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) وأئمتهم عليه، قال الله عز وجل (2) * (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار) *.
ويحتمل أن يكون " أولئك " إشارة إلى المشركين، يعني أن العامة العمياء وإن كانوا مسلمين موحدين في الظاهر لكنهم على دين المشركين باطنا، لأنهم أشركوا رؤساءهم وطواغيتهم في الإمامة التي جعلها الله لأهلها، كما أن المشركين أشركوا أصنامهم في العبادة التي جعلها الله تعالى لنفسه فقال: * (أن لا تعبدوا إلا الله ولا تشركوا به شيئا) *.