مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ٢ - الصفحة ٢٨٩
عديدة ألا ترى أن الله تعالى قد جعل البدن من شعائر الله، مع أنها تساق إلى البيت الحرام، الذي نسبه الله تعالى إليه فأي فرق بينها وبين مشاهد الأئمة (عليهم السلام) ومواقفهم، وذراريهم وما ينتسب إليهم فإنهم حجج الله وبيناته وهم أعز وأشرف من البيت الحرام.
- بل ورد في بعض الروايات أن المؤمن أعز من الكعبة المشرفة. ووجهه أن الإيمان بالله تعالى أعز الأمور وأشرفها ولهذا قال الله تعالى * (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) * في مقام بيان فضل تعظيم الشعائر تنبيها على أن تقوى القلوب أعظم الأمور وأشرفها وأنها مما يستغنى عن ذكر فضله وبيان علو مقامه وشرف منزلته عند الله عز وجل وبيان ذلك أن الله تعالى بعدما بين جملة من الأحكام في سورة الحج أمر بالتوحيد والإخلاص والتبري من الشرك بقوله * (حنفاء لله غير مشركين به) * ثم نبه على نتيجة الإشراك وعاقبته بقوله * (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق) *.
ثم نبه على علامة التوحيد والإيمان بقوله * (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) * تنبيها على أن علامة من خلص قلبه من الشرك وتحلى بزينة الإيمان، واستنار بنور التوحيد، تعظيم شعائر الله وذلك لأن من أحب شيئا أحب كل ما يختص به، وينتسب إليه وهذا أمر مشاهد بالوجدان، مؤيد بالعقل والنقل فالمؤمن بسبب معرفته بالله تعالى وحبه له، يحب كل شئ يضاف وينتسب إليه تعالى بخصوصية يمتاز بها عما سواه ولهذا تتفاوت مراتب التعظيم والتوقير بتفاوت مراتب إيمان المؤمن وحبه وإخلاصه لله عز وجل وتفاوت مراتب الشئ المنتسب إلى الله تعالى في الخصوصيات والأسباب التي أوجبت انتسابه إلى الله واختصاصه به.
فتحصل مما ذكرناه أن كل ما كان له انتساب خاص إلى الله تعالى أوجب شرفا له وكان من جملة شعائر الله وكان تعظيمه تعظيم شعائر الله، سواء كان انتسابه بلا واسطة، أو مع الواسطة، ومواقف الإمام ومشاهده من جملتها، فهي نظير المساجد التي تنتسب إلى الله تعالى، بسبب وضعها لعبادة الله عز وجل لكن هذا لا يستلزم المشاركة مع المساجد في جميع الأحكام، لأن الأحكام الخاصة التي وردت في الشرع لمكان خاص مخصوصة به لا يتعدى فيها إلى غيره إلا بدليل خاص.
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»