أنك تقول: إن الهداة مستغنون عنها، أو لعلك تستكثرها لتكرارها في كل يوم فيميل طبعك إلى التفرغ منها واعلم أن القوم صلوات الله عليهم مستغنون عن هديتك، ولكن أنت غير مستغن عن الهدية إليهم، وقرب مثوبتك لديهم كما أن الله جل جلاله مستغن عن هذه الأحوال فليكن في نيتك وسريرتك عند ابتداءه الهداية لهذه الأعمال، أن المنة لله جل جلاله ولهم صلوات الله عليهم، كيف هداك الله جل جلاله، وهدوك به جل جلاله إلى السعادة، والأمان والخلود في كمال إحسان ديار الرضوان * (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) *.
وأنت كما قال بعض أهل البيان:
أهدي لمجلسه الكريم وإنما * أهدي له ما حزت من نعمائه كالبحر يمطره السحاب وما له * من عليه لأنه من مائه وأما استكثارك لهديتك، أو ميلك إلى تفرغك من الصلاة لتحصيل سعادتك، فاعلم أن هذه الهداية إلى الهدية إنما حصلت لك بطريق عناية الله، جل جلاله، بأدلتك الصفوة المرضية وإخلاصهم في معاملة الجلالة الإلهية، وخاصة فإنك تقول لولا حجج الله جل جلاله على العباد ما خلق الله جل جلاله أرضا ولا سماء، ولا أحدا في البلاد ولا نارا ولا جنة للمعاد، ولا شيئا من النعيم والإرفاد، فهل ترى أعمالك جميعها إلا في ميزان مآبهم وديار رضوان ثوابهم لأن إخلاصهم في العبادة كان بفضل الله جل جلاله عليهم سبب ما يبلغ إليه من السعادة فإذا كان عملك في ميزانهم على كل حال، فاهده إليهم، لتظفر بمكسب ما كان في الحساب ولا دار على بال، ولا كنت تبلغه لولا عموم الكرم والأفضال، ولو كنت عارفا بمقدار حق الله تعالى جل جلاله بهم، وحقهم عليك بالله جل جلاله، وما يضيع من حقوقهم بالليل والنهار كنت قد رأيت ما تهديه يحتاج إلى اعتذار، وكنت قلت كقول بعض أهل الاعتبار:
فإن تقبلوا مني هدية قاصر * عددت لكم ذاك القبول من الفضل وكان قبول عندكم فضل رحمة * يعز بها قلب الولي من الذل ويوجب شكرا عنده لمقامكم * وفرض حقوق لا يقوم لها مثلي وقال لي بعض أصحابنا إنني أستصغر نفسي وعملي أن أهدي إليهم، فقلت له إذا كنت لا