- وفي حديث آخر (1) عنه (عليه السلام) قال: للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، الأولى لا يعلم بمكانه إلا خاصة مواليه في دينه.
الأمر الخامس: أنه في زمن غيبته يشهد الناس ويراهم ولا يرونه.
- ففي البحار (2) عن النعماني، بإسناده عن سدير الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: إن في صاحب هذا الأمر لشبه من يوسف، فقلت: فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة! فقال: ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك! إن إخوة يوسف كانوا عقلاء ألباء أسباطا أولاد الأنبياء، دخلوا عليه فكلموه، وخاطبوه وتاجروه، وراودوه وكانوا إخوته، وهو أخوهم لم يعرفوه حتى عرفهم نفسه، وقال لهم: أنا يوسف، فعرفوه حينئذ فما تنكر هذه الأمة المتحيرة أن يكون الله جل وعز يريد في وقت أن يستر حجته عنهم! لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوما، فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف؟ أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه، صاحب هذا الأمر يتردد بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه، حتى يأذن الله له أن يعرفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتى قال له إخوته: * (أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف) *.
- وعن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: يفقد الناس إمامهم، فيشهدهم الموسم فيراهم ولا يرونه.
الأمر السادس: إن غيبته لا تنافي اللطف الموجب لإظهار الإمام (عليه السلام)، أما بالنسبة إلى المجرمين، فلأنهم السبب في خفائه، كما عرفت في الوجه السادس، وأما بالنسبة إلى الصالحين، فلوجهين:
الأول: أن الله تعالى قد أعطاهم من العقول والأفهام ما صارت الغيبة لهم بمنزلة المشاهدة كما صرح به سيد العابدين (عليه السلام) في حديث أبي خالد الكابلي الذي يأتي ذكره في الباب الثامن إن شاء الله تعالى.