ووضعها تحت صدره وضرب البحر عليها قاصدا لحوق السفينة فحال الليل بينهم وبينه وبقي في البحر، وأما أهل السفينة فما وصلوا إلا بعد مضي أشهر، فلما بلغوا أهلهم أخبروا أهل ذلك الرجل فأقاموا مأتمه فبقوا على ذلك عاما أو أكثر ثم رأوا أن ذلك الرجل قدم إلى أهله فتباشروا به وجاء إليه أصحابه فقص عليهم قصته قال: فلما حال الليل بيني وبينكم بقيت تقلبني الأمواج وإذا أنا على الحزمة يومين حتى أوقعتني على جبل في الساحل فتعلقت بصخرة منه ولم أطق الصعود إلى جوفه لارتفاعه فبقيت في الماء وما شعرت إلا بأفعى عظيمة أطول من المنار وأغلظ منها فوقعت على ذلك الجبل ومدت رأسها تصطاد الحيتان من الماء فوق رأسي فأيقنت بالهلاك وتضرعت إلى الله تعالى فرأيت عقربا تدب على ظهر الأفعى، فلما وصل إلى دماغها لسعتها بإبرة فإذا لحمها قد تناثر عن عظامها وبقي عظم ظهرها وأضلاعها كالسلم العظيم الذي له مراق يسهل الصعود عليها قال: فرقيت على تلك الأضلاع حتى خرجت إلى الجزيرة شاكرا لله تعالى على ما صنع فمشيت في تلك الجزيرة إلى قريب العصر فرأيت منازل حسنة مرتفعة البنيان إلا أنها خالية لكن فيها آثار الإنس قال: فاسترحت في موضع منها، فلما صار العصر رأيت عبيدا وخدما كل واحد منهم على بغل فنزلوا وفرشوا فرشا نظيفة وشرعوا في تهيئة الطعام وطبخه، فلما فرغوا منه رأيت فرسانا مقبلين عليهم ثياب بيض وخضر ويلوح من وجوههم الأنوار فنزلوا وقدم إليهم الطعام فلما شرعوا في الأكل قال أحسنهم هيئة وأعلاهم نورا: ارفعوا حصة من هذا الطعام لرجل غائب فلما فرغوا ناداني: يا فلان بن فلان، أقبل فعجبت منه فأتيت إليهم ورحبوا بي فأكلت ذلك الطعام وما تحققت إلا أنه من طعام الجنة، فلما صار النهار ركبوا بأجمعهم وقالوا لي: انتظر هنا فرجعوا وقت العصر وبقيت معهم أياما فقال لي يوما ذلك الرجل الأنور: إن شئت الإقامة معنا في هذه الجزيرة أقمت وإن شئت المضي إلى أهلك أرسلنا معك من يبلغك بلدك فاخترت على شقاوتي بلادي، فلما دخل الليل أمر لي بمركب وأرسل معي عبدا من عبيده فسرنا ساعة من الليل وأنا أعلم أن بيني وبين أهلي مسيرة أشهر وأيام فما مضى من الليل قليل منه إلا وقد سمعنا نبح الكلاب فقال لي ذلك الغلام: هذا نبح كلابكم فما شعرت إلا وأنا واقف على باب داري فقال: هذه دارك انزل إليها، فلما نزلت قال لي: قد
(٦٠)