لبن حامض يجد ريحه من حموضته وقال: ويحك يا فضة أما تتقون الله في هذا الشيخ فتنخلون له طعاما، لما رأى فيه النخالة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " بأبي وأمي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز الشعير حتى قبضه الله تعالى " وقال لعقبة بن علقمة: " يا أبا الجنوب أدركت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل أيبس من هذا، ويلبس أخشن من هذا فإن أنا لم آخذ به خفت أن لا ألحق به " وترصد غداه عمرو بن حريث فأتت فضة بجراب مختوم فأخرج منه خبز شعير خشنا، فقال عمرو: يا فضة لو نخلت هذا الدقيق وطيبته فقالت: كنت أفعل فنهاني، وكنت أضع في جرابه طعاما طيبا فختم جرابه، ثم إن أمير المؤمنين (عليه السلام) فته في قصعة وصب عليه الماء، ثم ذر عليه الملح وحسر عن ذراعيه فلما فرغ قال: " يا عمرو لقد خابت هذه " ومد يده إلى محاسنه، وخسرت هذه أن أدخلها النار من أجل الطعام، وهذا يجزيني (1).
الخامس والعشرون: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد قال: أخبرنا الحسن بن معاذ، أخبرنا سفيان بن وكيع، أخبرنا أبي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن علقمة قال: دخلنا على أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وبين يديه طبق من خوص عليه قرص أو قرصان من خبز شعير، نخالته تبين في الخبز وهو يكسره على ركبتيه ويأكله على جريش، فقلت لجارية له سوداء يقال لها فضة: ألا نخلت هذا الدقيق لأمير المؤمنين (عليه السلام)؟
فقالت: يأكل هو المهنأ ويكون الوزر في عنقي، فتبسم (عليه السلام) وقال: " أنا أمرتها أن لا تنخله " فقلنا:
لم يا أمير المؤمنين؟
قال: " ذلك أحرى أن يذل النفس ويقتدي بي المؤمنون وألحق بأصحابي " (2).
السادس والعشرون: روى عدي بن حاتم أنه رآه (عليه السلام) وهو بين يديه شنة فيها قراح ماء وكسيرات من خبز شعير وملح، فقال: إني لا أرى لك يا أمير المؤمنين لتظل نهارك طاويا مجاهدا، وبالليل ساهرا مكابدا، ثم هذا فطورك! فقال (عليه السلام) " علل النفس بالقنوع وإلا طلبت منه فوق ما يكفيها " (3).
الأحنف بن قيس: دخلت على معاوية فقدم إلي من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قدم ألوانا ما أدري ما هي: فقلت: ما هذا؟
فقال: مصارين البط محشوة بالمخ قد قلي بدهن الفستق وذر عليه السكر، فبكيت فقال: ما