كنت عند الصادق جعفر بن محمد فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأطراه ومدحه بما هو أهله ثم قال: " والله ما أكل علي بن أبي طالب (عليه السلام) من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران فظن أنهما رضا الله إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه، وما نزلت برسول الله نازلة إلا دعاه فقدمه ثقة به وما أطاق عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هذه الأمة غيره، وإنه كان ليعمل عمل رجل كأن وجهه بين الجنة والنار يرجو ثواب هذه، ويخاف عقاب هذه ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار مما كد بيده ورشح منه جبينه وإن كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة، وما كان لباسه إلا الكرابيس، إذا فضل شئ عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين (عليه السلام)، ولقد دخل أبو جعفر ابنه (عليه السلام) فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر ورمضت عيناه من البكاء ودبرت جبهته وانخرم أنفه من السجود وورمت ساقاه وقدماه من القيام إلى الصلاة، فقال أبو جعفر (عليه السلام): فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء فبكيت رحمة عليه، وإذا هو يفكر فالتفت إلي بعد هنيئة من دخولي فقال: يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا ثم تركها من يده تضجرا، وقال: من يقوى على عبادة علي (عليه السلام)؟ " (1).
السادس عشر: ابن بابويه قال: حدثنا صالح بن عيس العجلي قال: حدثنا محمد بن علي بن علي قال: حدثنا محمد بن منده الأصفهاني قال: حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال: كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجلان من أصحابه في ليلة ظلماء مكفهرة إذ قال لنا رسول الله: " ائتوا باب علي (عليه السلام) " فأتينا باب علي (عليه السلام) فنقر أحدنا الباب نقرا خفيفا، إذ خرج علينا علي بن أبي طالب (عليه السلام) متزرا بإزار من صوف مرتديا بمثله، في كفه سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لنا: أحدث حدث؟ قلنا: خير، أمرنا رسول الله أن نأتي بابك وهو بالأثر، إذ جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: " يا علي قال: لبيك " قال: " أخبر أصحابي بما أصابك "؟
قال علي (عليه السلام): " يا رسول الله إني لأستحيي ".
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن الله لا يستحيي من الحق ".
قال علي (عليه السلام): " يا رسول الله، أصابتني جنابة البارحة من فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فطلبت في البيت ماء فلم أجد الماء فبعثت الحسن كذا والحسين كذا فأبطيا علي، فاستلقيت على قفاي فإذا