أمير المؤمنين قال: فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض على لحيته، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وهو يقول: " يا دنيا، يا دنيا إليك عني، أبي تعرضت أم إلى تشوقت، لا حان حينك، هيهات، هيهات غري غيري، لا حاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير وخطرك يسير وأملك حقير، آه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظم المورد ".
قال ابن أبي الحديد في الشرح وهو من أكابر علماء المعتزلة: السليم الملسوع، وقوله: لا حان حينك: دعاء عليها أي لا حضر وقتك كما تقول: لا كنت فأما ضرار بن ضمرة فإن الرياشي روى خبره ونقلته أنا من كتاب عبد الله بن إسماعيل في التنزيل على نهج البلاغة قال: دخل ضرار على معاوية، وكان ضرار من أصحاب علي (عليه السلام) فقال له معاوية: يا ضرار صف لي عليا، قال أو تعفيني؟
قال: لا أعفيك، قال ما أصف منه؟ كان والله شديد القوى بعيد المدى، يتفجر العلم من أنحائه والحكمة من أرجائه، حسن المعاشرة، سهل المباشرة، خشن المأكل، قصير الملبس، غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألنا ويبتدئنا إذا سكتنا، ونحن مع تقريبه إلينا أشد ما يكون صاحب لصاحبه هيبة، لا نبتدئه بالكلام لعظمته، يحب المساكين ويقرب أهل الدين، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه... وتمام الكلام مذكور في الكتاب (1).
السابع: ابن أبي الحديد: وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب هذا الخبر وقال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال: حدثنا يحيى بن مالك بن عايد قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن مقلة البغدادي بمصر، وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا العكلي عن الحرمازي عن رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الضبابي، يا ضرار صف لي عليا، وقال:
أعفني يا أمير المؤمنين، قال لتصفنه.
قال: أما إذا لا بد من وصفه فقال: كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فضلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته، غزير العبرة طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا استفتيناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله