وهذه مطايا الرحيل قد أنيخت لركابها، ألا إن الحديث ذو شجون، فلا يقولن قائلكم: إن كلام علي متناقض لأن الكلام عارض، ولقد بلغني أن رجلا من قطان المدائن تبع بعد الحنيفية علوجه، ولبس من ناله دهقانه منسوجة، وتضمخ بمسك هذه النوافج في صباحه، وتبخر بعود الهند رواحه، وحوله ريحان حديقة يشم تفاحة وقد مد له مفروشات الروم على سرره، تعسا له بعد ما ناهز السبعين من عمره، وحوله شيخ يدب على أرضه من هرمه، وذو يتمة تضور من ضره ومن قرمه، فما واساهم بفاضلات من علقمة، لئن أمكنني الله منه لأخضمنه خضم البر ولأقيمن عليه حد المرتد، ولأضربنه الثمانين بعد حد، ولأسدن من جهله كل مسد، تعسا له، أفلا شعر أفلا صوف أفلا وبر أفلا رغيف قفار الليل إفطار مقدم، أفلا عبرة على خد في ظلمة ليالي تنحدر، ولو كان مؤمنا لاتسقت له الحجة إذا ضيع ما لا يملك، والله لقد رأيت عقيلا أخي وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعة، وعاودني في عشر وسق من شعيركم يطعمه جياعه، وكاد يلوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه ورأيت أطفاله شعث الألوان من ضرهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرهم، فلما عاودني في قوله وكرره أصغيت إليه سمعي، فظنني أوتغ ديني فاتبع ما سره، أحميت له حديدة ينزجر إذ لا يستطيع منها دنوا ولا يصطبر، ثم أدنيتها من جسده فضج من ألمه ضجيج ذي دنف يئن من سقمه، وكاد يسبني سفها من كظمه، وحرقة في لظى أضنى له من عدمه، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئن من حديدة حماها إنسانها لمدعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها من غضبة؟ أتئن من الأذى ولا أئن من لظى، والله لو سقطت المكافاة عن الأمم، وتركت في مضاجعها باليات في الرمم لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات الأستار من الأوزار تنسخ، فصبرا على دنيا تمر بلأوائها كليلة بأحلامها تنسلخ كم بين نفس في خيامها ناعمة، وبين أثيم في الجحيم يصطرخ.
ولا تعجب من هذا واعجب بلا صنع منا من طارق طرقنا بملفوفات زملها في وعائها، ومعجونة بسطها في إنائها فقلت له: أصدقة أم نذر أم زكاة؟ وكل ذلك يحرم علينا أهل بيت النبوة وعوضنا الله منه خمس ذي القربى في الكتاب والسنة، فقال لي: لا ذاك ولا ذاك ولكنه هدية، فقلت له: ثكلتك الثواكل أفعن دين الله تخدعني بمعجونة عرقتموها بقندكم، وخبيصة صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم؟ أمختبط أم ذو جنه أم تهجر؟ أليست النفوس عن مثقال حبة من خردل مسؤولة؟ فماذا أقول في معجونة؟ أتزقمها معمولة.
والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، وأسترق لي قطانها مذعنة بأملاكها على أن