مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ١٠٦
وعلمه واجب لهم من وجوه: الأول أن الله سبحانه سطر في اللوح المحفوظ علم ما كان وما يكون، ثم أبرز إلى كل نبي منهم ما يكون له ولأوصيائه، إلى ظهور الشريعة التي تأتي بعده حتى ختمت الرسل بفاتحهم، وختمت الشرايع بخاتمها، فوجب أن يكون عنده علم ما سبق وما يلحق إلى يوم القيامة، لكونه خاتما لأن كتابه الجامع المانع، ثم أنه ليلة المعراج لما وصل المقام الأسنى، وكان قاب قوسين أو أدنى، وعلا على اللوح المحفوظ رفعة وعلما، وخوطب من الأسرار الإلهية بما ليس في اللوح، فكان علم الغيب الأول والآخر عنده وله (1)، بل هو اللوح المحفوظ لأنه السابق على الكل

(١) الصحيح أن زمن علمهم هو عالم الأنوار وقد فصلناه في كتاب علم آل محمد عليهم السلام وإليك مجمله:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (نبئت وآدم بين الروح والجسد) (وجبت النبوة لي وأدم بين الدوح والجسد) (فضائل ابن شاذان: ٣٤، كنز العمال: ١٢ / ٤٢٦ ح ٣٥٥٨٤ و ١١ / ٤٠٩ - ٤٥٠ ح ٣٢١١٥ و ٣١٩١٧، والشريعة للجري: ٤١٦ - ٤٢١ - عدة أحاديث -، والشفاء: ١ / ١٦٦، وسنن الترمذي: ٥ / ٥٨٥، والمعجم الكبير: ٢٠ / ٣٥٣، الفردوس بمأثور الخطاب: ٣ / ٢٨٤ ح ٤٨٥٤). فكونه نبيا ينبأ في غاية الوضوح والدلالة على تلقيه العلوم في ذلك العالم، إذ يستحيل أن الله اتخذ نبيا ونبأه وهو فاقد للعلم.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: (إن الله أول ما خلق خلق محمدا وعترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي الله).
قلت: وما الأشباح؟
قال: (ظل النور أبدان نورانية بلا أرواح، وكان مؤيدا بروح واحدة هي روح القدس) (أصول الكافي: ١ / ٤٤٢ ح ١٠ مولد النبي).
وعن الإمام العسكري عليه السلام: (هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام يوفقهم ويسددهم ويزينهم بالعلم) (الأنوار النعمانية: ٢ / ١٨).
وفي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال فيه: (فلما أراد أن يخلق الخلق نشرهم بين يديه فقال لهم من ربكم؟
فكان أول من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم، فقالوا أنت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون) (بحار الأنوار: ١٥ / ١٦ باب بدء خلق النبي ح ٢٢، و: ٢٦ / ١٧٧ ح ١٩ باب تفضيلهم على الأنبياء، والتوحيد للصدوق: ٣١٩ باب معنى: (وكان عرشه على الماء) ح ١ باب ٤٩ ط. قم).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جاء فيه: (ثم جعلنا عن يمين العرش، ثم خلق الملائكة فهللنا فهللت الملائكة، وكبرنا فكبرت الملائكة، وكان ذلك من تعليمي وتعليم علي، وكان ذلك في علم الله السابق أن الملائكة تتعلم منا التسبيح والتهليل، وكل شئ يسبح لله ويكبره ويهلله بتعليمي وتعليم علي) (بحار الأنوار: ٣٤٥ باب فضل النبي وآله ح ١٨، ومشارق أنوار اليقين: ٤٠، والأنوار النعمانية: ١ / ٢٢).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي نحن أفضل (من الملائكة) خير خليقة الله على بسيط الأرض وخيرة الله المقربين، وكيف لا نكون خيرا منهم؟ وقد سبقناهم إلى معرفة الله وتوحيده؟! فبنا عرفوا الله وبنا عبدوا الله وبنا اهتدوا السبيل إلى معرفة الله) (بحار الأنوار: ٢٦ / ٣٤٩ - ٣٥٠ - ٣٥٠ ح ٣٣).
وعن الإمام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله مثل لي أمتي في الطين وعلمت الأسماء كما علم آدم الأسماء كلها) (بصائر الدرجات: ٨٥ باب أنه عرف ما رأى في الأظلة ح ٧).
وفي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن ربي مثل لي أمتي في الطين وعلمني أسماء الأنبياء - وفي نسخة - الأشياء، كما علم آدم الأسماء كلها فمر بي أصحاب الرايات، فاستغفرت لعلي وشيعته) (بصائر الدرجات: ٨٦ باب أنه عرف ما رأى في الأظلة ح ١٥).
وقال الإمام الجواد عليه السلام: (أنا محمد بن علي الرضا أنا الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب أنا أعلم بسرائركم فظواهركم، وما أنتم صائرون إليه، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين في الهداية الكبرى: علما أورثناه الله قبل الخلق أجمعين، وبعد فناء السماوات والأرضين، ولولا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الطلالة، ووثوب أهل الشك: لقلت قولا تعجب منه الأولون والآخرون).
ثم وضع يده الشريفة على فيه وقال: (يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل) (مشارق أنوار اليقين: ٩٨ الفصل الحادي عشر، والهداية الكبرى: ٢٩٦ باب ١١).
وروى صاحب بستان الكرامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان جالسا وعنده جبرائيل عليه السلام فدخل علي عليه السلام فقال له جبرائيل عليه السلام.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: (أتقوم لهذا الفتى؟).
فقال له عليه السلام: نعم إن له علي حق التعليم.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: كيف ذلك التعليم يا جبرائيل؟
فقال: لما خلقني الله تعالى سألني من أنت وما اسمك ومن أنا وما اسمي؟
فتحيرت في الجواب وبقيت ساكتا، ثم حضر هذا الشاب في عالم الأنوار وعلمني الجواب، فقال: (قل:
أنت ربي الجليل واسمك الجليل وأنا العبد الذليل واسمي جبرائيل).
ولهذا قمت له وعظمته. (الأنوار النعمانية: ١ / ١٥).
وروى الصفوري قول أمير المؤمنين عليه السلام: (سلوني قبل أن تفقدوني عن علم لا يعرفه جبرائيل وميكائيل) (نزهة المجالس: ٢ / ١٢٩ ط. التقدم العلمية بمصر ١٣٣٠ ه‍، و ٢ / ١٤٤ ط. بيروت المكتبة الشعبانية المصورة عن مصر الأزهرية ١٣٤٦ ه‍).
وقد أشار محيي الدين ابن عربي في خطبة الفتوحات المكية إلى ذلك بقوله:
(الحمد لله الذي جعل الإنسان الكامل معلم الملك وأدار بانقساره طبقات الفلك).
وفي حديث الإمام الصادق عليه السلام مع المفضل بعد ذكر الإمام رجعة أصحاب الكساء وشكايتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ما حل بهم قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لفضة: (يا فضة لقد عرفه رسول الله وعرف الحسين اليوم بهذا الفعل (ضرب فاطمة وإسقاط المحسن عليهما السلام) ونحن في نور الأظلة أنوار عن يمين العرش) (الهداية الكبرى: ٤٠٨ باب ١٤).
هذا وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: (في قاب قوسين علمني الله القرآن وعلمني الله علم الأولين) (لوامع أنوار الكوكب الدري: 1 / 117 - 118).
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 106 108 109 110 111 112 ... » »»