فصل (افتراق الأمم بعد الأنبياء) في بيان افتراق الأمم بعد الأنبياء مما شهدت به السنة والكتاب، فمن ذاك قال الله سبحانه مخبرا عن قوم موسى: ﴿ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ (١)، وقال تعالى حكاية عن النصارى: ﴿وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة﴾ (٢)، وقال حكاية عن الأميين: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم﴾ (3)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (افترقت أمة أخي موسى على سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وافترقت أمة أخي عيسى على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي التي تبعت ما أنا عليه وأهل بيتي)، وفي رواية ما عليه وأصحابي (4).
وهذا بيان وتأكيد أن الناجي من تبع الآل لأن الآل هم الأصحاب، وليس الأصحاب هم الآل، فأين كان الآل كان الأصحاب من غير عكس، ولهذا يقال أهل الله ولا يقال أصحاب الله. فآل النبي صلى الله عليه وآله أصحابه وليس أصحابه آله، وفي الحديث: (أهل القرآن أهل الله وخاصته)، لأنهم حملة سره، فأين كان الأهل كانت النجاة، لأن الأهل أولى بالشرف والفضل، وأحق بالميراث، وأقرب إلى العلم، ومنهم نبع الذكر، وعنهم سمع، فالأصحاب تبع الآل لأنهم سكان السلطنة والحكم، والأصحاب سكان التبع فكيف يقتدى بالتابع ولا يقتدى بالمتبوع؟ ألا فهم الملاذ والمنجى، ونهج الهدى وجنة المأوى وسدرة المنتهى، والأصحاب قوم تبصروا بنور الآل فأبصروا، ثم أعماهم دخان الحسد فأنكروا، وإليه الإشارة بقوله: بينا أنا على الحوض إذ بملأ من أصحابي يؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال مسودة وجوههم، فأناديهم: أصحابي أصحابي، فيأتي النداء من خلفهم يا محمد، إنهم ليسوا أصحابك، إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: