مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٢٣٢
وكسر الرايات، وأخرج الناس من الظلمات، ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله تواثبت الضباع على الأسد المناع، والولي المطاع، فعوت على الهزبر الكلاب، وصار ملك أبي تراب، الذي صفي سبحانه بحد الحساب، والقرضاب، إلى... الذي لم يحمر له حسام يوم الضراب، ولا مر في ملمة (١ وخاب، ولم يدع إلى كريهة فأجاب.
فوجب في عدل الكريم الوهاب، من باب (أوفوا بعهدي أوفي بعهدكم) أن يوليه يوم القيامة عوضا عن حقه الممنوع في الدنيا حكم يوم الحساب، وإليه الإشارة بقوله: ﴿ويؤت كل ذي فضل فضله﴾ (2) لأن المواهب الربانية والتحف الإلهية، إما أن تكون استحقاقا أو تفضلا، وكلاهما حاصلان لأمير المؤمنين عليه السلام، أما الاستحقاق فإن الله أوجد فيه من الأسرار الإلهية، والقوى الربانية، والخواص الملكية ما لم يوجد في غيره من البشر، حتى تاه ذو اللب في معناه وكفر، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله: (خلقت أنا وعلي من جنب الله ولم يخلق منه غيرنا) (3)، وجنب الله معناه علم الله، وحق الله له كإحياء الأموات والأخبار بالمغيبات، وتكلم أذياب الفلوات، وإغاضة ماء الفرات، ورجوع الشمس له بعد الغياب، وإظهار وإيراد المعجبات، وأما التفضل فإن الله يختص برحمته من يشاء، ففرض الله إليه وأمر العباد وجعله الحاكم يوم المعاد، فهو حاكم يوم الدين، ومالك يوم الدين، وولي يوم الدين، ولا ينكر هذا الحق المبين، إلا من ليس له حظ من الإيمان واليقين، ومن لا إيمان له كافر فوجب على من شم حقائق الإيمان استنشاق نسيم أزهار هذه الأشجار، والتصديق لهذه الآثار، ومن أنكرها ولو حرفا منها فقد عارض زكام الكفر خيشوم إيمانه فليداووه بسعوط التصديق، ولكن ذاك في حقق التحقيق، ومن أعرض عن واضح الدليل، فقد ضل عن سواء السبيل.

(١) كذا في النسخة الخطية، في المطبوع بلفظ مسلم.
(٢) هود: ٣.
(3) في بحار الأنوار: (خلقنا الله جزءا من جنب الله) - 24 / 192 ح 8.
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»