مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٢١٨
كما يرى الإنسان شخصه في المرآة من غير شك، كما رواه إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام رحمه الله أنه الرجل قلت: يا سيدي ما سمعت مثل هذا الكلام، فقال عليه السلام: هذا كلام قوم من أهل الصين وليس كلام أهل الصين كله هكذا، ثم قال: أتعجب من هذا؟ قلت: نعم، قال: سأريك ما هو أعجب، إن الإمام يعلم منطق الطير ومنطق كل ذي روح، لا يخفى على الإمام شئ (١).
فهم صلوات الله عليهم يشهدون الخلق عند الحياة وعند الممات، لأنهم العالمون عن الله بكل موجود ومفقود، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه مر على قبر فقال: أف، أف، فقيل: يا رسول الله ماذا؟ فقال: إن صاحب هذا القبر سأل عني فأمسك، فأففت عليه.
(٢) ومن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لكميل بن زياد وقد مر معه في جبانة فأسرع السير فقال له: (خفف الوطي يا كميل فإنهم يسمعون صرير نعالك (٣).
وعلم الإمام بهم ليس ظن ولا تقليد، ولكنه علم إحاطة وتحقيق (٤)، فعلم الله محيط بالمعلومات، وعلمهم نافذ في طبقات السماوات، لأن السماوات والأرض وما فيها خزانة الله خلقها لأجلهم وسلمها إليهم، فعندهم مفاتيح علمها وغيبها لا بل هم مفاتيح الغيب، وإليه الإشارة بقوله:
﴿وعنده مفاتح الغيب﴾ (٥) لأن الولي المطلق هو الذي بيده مفاتيح الولاية، بل هو مفتاح الولاية، يؤيد ذلك قوله سبحانه: ﴿صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض﴾ (6)، وهذا صريح، قال الصادق عليه السلام: صراط الله علي جعله الله أمينه على علم ما في السماوات وما في الأرض، فهو أميره على الخلائق وأمينه على الحقائق (7).
يؤيد هذا التفسير قول أمير المؤمنين في خطبة التطنجية: (لو شئت أخبرتكم بآبائكم وأسلافكم ممن كانوا وأين كانوا، وأين هم الآن وما صاروا إليه؟ فكم من آكل منكم لحم

(١) الأنوار النعمانية: ١ / ٣٣، والهداية الكبرى: ١٧١ باب ٢.
(٤) فصلناه في كتابنا علم آل محمد.
(٥) الأنعام: ٥٩.
(٦) الشورى: ٥٣.
(٧) بحار الأنوار: ٢٥ / 170 ح 38 بتفاوت.
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»