أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٣١٩
وروي أن أبا الهذيل (1) حضر عند أمير من أمراء البصرة - وكان قدريا - وقد أوتي بطرار (2) أسود أعور، فقال له: كم يجب على هذا لطرار من سوط على طرارته؟
قال له: ستون سوطا.
فقال الأمير: إنما يقول الفقهاء عشرون سوطا.
فقال: نعم، عشرون سوطا على طرارته، وعشرون سوطا على عوره، وعشرون على سواده.
فقال الأمير: كيف تضربه على سواده وعوره؟ وقد خلقهما الله فيه، وليسا من جنايته!
فقال له أبو الهذيل: وكذلك طرارته، مخلوقة فيه على مذهبك، إذا ضربته عليها وهي من خلق الله فيه، فكذلك تضربه على سواده وعوره.
فقال الأمير: ما بيني وبين الحق عداوة. ثم رجع عن القول بالجبر على القبيح ودان بالعدل.
وروي أن شخصا من أهل الإيمان والعلم، وشى به رجل قدري إلى أمير من أمراء البصرة أيضا - وكان قدريا - فقال له: إن هذا لا يرى ما يراه أهل العلم، من أن أفعال العباد من الحسن والقبح من الله، فأحضره الأمير وقال: إن هذا يقول فيك إنك لا ترى أن العبد مجبور على فعل الحسن والقبيح.
فقال له المؤمن: أيها الأمير، قد جعلتك بيني وبينه حكما ثم التفت إلى القدري فقال له: ما تقول في كلمة العدل والإخلاص والتوحيد، من قالها في الموحد؟
فقال: الله فقال: أصادق هو أم لا؟
فقال: بل صادق.
فقال له: فما تقول في كلمة الكفر والإلحاد، من قالها في الملحد؟
قال: الله على مذهبه.

١ - هو محمد بن الهذيل بن عبيد الله بن مكحول العبدي، أبو الهذيل العلاف مولى عبد القيس شيخ المعتزلة، وكان شيخ البصريين في الاعتزال. ومن أكبر علمائهم، وهو صاحب مقالات في مذهبهم ومجالس ومناظرات، ولد سنة ١٣١ وقيل: ١٣٤ وقيل: ١٣٥ ه‍، وتوفي سنة ٢٣٥ ه‍، انظر " تاريخ بغداد ٣: ٣٦٦، وفيات الأعيان 4: 265، 5: 413 ".
2 - الطرار: السارق الذي يخالس الناس " الصحاح - طرر - 2: 725 ".
(٣١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»