ومن كلام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام جاء في الحديث أن الحسن البصري كتب إلى الحسن عليه السلام: أما بعد، فإنكم - معاشر بني هاشم - الفلك الجارية في اللجج الغامرة، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، والعروة الوثقى، والأئمة القادة، الذين من تبعهم نجا، ومن تخلف عنهم هوى، والسفينة التي بركوبها ينجو المؤمنون، ويعتصم بها المستمسكون.
أما بعد: فقد كثر - يا ابن رسول الله - عندنا الكلام في القضاء والقدر، واختلافنا في الاستطاعة، فتعلمنا ما ترى عليه رأيك ورأي آبائك، فإنكم ذرية بعضها من بعض، من علم الله علمتم، وهو الشاهد عليكم، وأنتم الشهداء على الناس، والسلام.
فأجابه الحسن عليه السلام: " أما بعد، فقد انتهى إلي كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من أمتنا، وكيف ترجعون إلينا وأنتم بالقول دون الفعل! واعلم أنه لولا ما انتهى إلي من حيرتك وحيرة الأمة قبلك، لأمسكت عن الجواب، ولكني الناصح ابن الناصح الأمين.
واعلم أن الذي أنا عليه، أنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر، ومن حمل المعاصي على الله عز وجل فقد فجر، إن الله سبحانه لا يطاع بإكراه ولا يعصى بغلبة، ولا أهمل العباد من الملكة، ولكنه عز وجل المالك لما ملكهم، والقادر على ما عليه أقدرهم، فإن ائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه أن يمن عليهم فيحول بينهم وبينها فعل، فإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها إجبارا ولا ألزمهم بها إكراها، بل الحجة له عليهم أن عرفهم، وجعل لهم السبل إلى فعل ما دعاهم إليه وترك ما نهاهم عنه، ولله الحجة البالغة على جميع خلقه ".
وروي أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج: تكتب إلى علماء أهل البصرة، يكتبون إليك بما عندهم في القضاء والقدر، فجاءته منهم أربعة أجوبة:
الجواب الأول من الحسن البصري: ليس عندي في ذلك شئ أبلغ من قول علي عليه السلام: " أيأمر بالعدل ويخالفه! وينهى عن المنكر ويؤالفه! أفلا افترى عليه من هو بهذا واصفه!؟ " الجواب الثاني من واصل بن عطاء: لا أجد في ذلك كلاما خيرا مما قاله علي ابن أبي طالب: " أدلك على الطريق، ولزم عليك المضيق! إن هذا بالحكمة لا يليق ".