أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٢٤٩
ومنهم من السماوات إلى حجزته (1)، ومنهم من قدماه على غير قرار في جو الهواء الأسفل، والأرضون إلى ركبته، ومنهم لو ألقي في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها، ومنهم من لو ألقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين. فتبارك الله أحسن الخالقين ".
روى هذا الحديث مسندا الشيخ أبو جعفر ابن بابويه الفقيه رحمه الله، في كتابه كتاب (الخصال) (2).
فانتبه لنفسك - أيها الإنسان - كيف تكون حالك إذا شاهدت مثل هؤلاء الملائكة العظيمي الخلق، ليأخذوك إلى مقام العرض، وتراهم على عظم أشخاصهم منكسرين، لشدة خوف يوم المحشر، مما يرون من غضب الجبار على عباده، وعند نزولهم لا يبقى نبي ولا صديق ولا صالح إلا ويخرون لأذقانهم خوفا من الله، كأنهم هم المأخوذون، فهذا حال المقربين، فما ظنك بالعصاة المجرمين!
وعند ذلك تقوم الملائكة صفا محدقين بالخلائق من الجوانب، وعلى جميعهم شعار الذل والخضوع، وهيبة الخوف والمهابة لشدة ذلك اليوم.
ثم تقبل الملائكة فينادون واحدا واحدا يا فلان بن فلانة، هلم إلى موقف العرض، فعند ذلك ترتعد الفرائص، وتضطرب الجوارح، وتبهت العقول، ويتمنى أقوام أن يذهب بهم إلى النار، ولا تعرض قبائح أعمالهم على الجبار، ولا يكشف سرهم على ملأ الخلائق. فعند ذلك يخرج النداء: يا جبرئيل، إئت النار، فجاءها جبرئيل وقال لها: يا جهنم، أجيبي خالقك ومليكك. فقادها جبرئيل على غيظها وغضبها، فلم تلبث بعد النداء أن فارت وزفرت إلى الخلائق وشهقت، وسمع الخلائق شهيقها وزفيرها، وانتهضت خزانها متنكرة على الخلائق، غضبا على من عصى الله وخالف أمره.
فأخطر ببالك حال قلوب العباد وقد امتلأت فزعا ورعبا، فتساقطوا وجثوا على الركب، وولوا مدبرين، وسقط بعضهم على الوجوه، وينادي الظالمون والعصاة بالويل والثبور، ونادى كل واحد من الصديقين: نفسي نفسي. فبينا هم كذلك إذا زفرت النار زفرة ثانية، فتساقط الخلائق على وجوههم، وشخصوا بأبصارهم ينظرون من طرف

١ - في الأصل: حرته، وما أثبتناه من المصدر.
٢ - الخصال: ٤٠٠ / 109.
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»