إلى الايلام كان العوض عليه تعالى وإن لم يكن ملجأ كان العوض على الحيوان نفسه (احتج الأولون) بأنه تعالى مكنه وجعل فيه ميلا شديدا إلى الايلام مع إمكان عدم الميل ولم يجعل له عقلا يميز به حسن الألم من قبيحة ولم يزجره بشئ من أسباب الزجر مع إمكان ذلك كله وكان ذلك بمنزلة الاغراء فلولا تكفله تعالى بالعوض لقبح منه ذلك (واحتج الآخرون) بقوله عليه السلام إن الله تعالى ينتصف للجماء من القرناء (واحتج النافون) للعوض بقوله عليه السلام (جرح الجماء جبار) (1) واحتج القاضي بأن التمكين لا يقتضي انتقال العوض من الفاعل إلى الممكن وإلا لوجب عوض القتل على صانع السيف بخلاف الالجاء المقتضي لاستناد الفعل في الحقيقة إلى الملجئ ولهذا يحسن ذمه دون الملجأ وبأن العوض لو كان عليه تعالى لما حسن منعها عن الألم (والجواب عن الأول) بأنه لا دلالة في الحديث على أنه تعالى ينتصف للجماء بأن ينقل أعواض القرناء إليها وهو يصدق بتعويض الله تعالى إياها كما أن السيد إذا غرم ما أتلفه عبده يقال قد انتصف من عبده الظالم مع أنه يحتمل المجاز بتشبيه الظالم لتمكنه من الظلم بالقرناء والمظلوم بالجماء لضعفه وعن الثاني (2) بأن المراد انتفاء القصاص وعن الثالث (3) بالفرق فإن القاتل ممنوع من القتل وعنده اعتقاد عقلي يمنعه عن الإقدام عليه فلهذا لم يقل بوجوب العوض على صانع السيف بخلاف السبع وعن الرابع أنه قد يحسن المنع منا عن الحسن إذا كان لذلك المنع وجه حسن كما أنه يحسن منا منع الصبيان عن شرب الخمر ومنع المعاقب عن العقاب.
(٣٦٢)