أن الكفر بالشيطان هو اعتقاد أن العالم غيب ما ظهر قط وإنما الظاهر هو الجلال والإكرام) * (1).
وأما الوجه الظلماني والظل الشيطاني المشار إليه بقوله تعالى: * (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) * (2) فهو جهة النفسية والتعينات الذاتية وشيئية الماهية.
وبالجملة: جهة الغيرية والسوائية ووجهته الناقصة الداثرة الهالكة، وبالآخرة جهة الدنيا الدنية المنكوسة.
ومعلوم أن العالم الذي هو ما سوى الله - وعبر عنه هذا العارف الجليل والشيخ الكامل النبيل قدس سره بالشيطان - هو جهة السوائية والغيرية المظلمة، وإلا فالجهة النورية هي وجه الله الباقي الفاني في الحق المتعال، فهو ليس من العالم في شئ، بل مقام ألوهية الرب الحكيم وقيومية الحق العليم.
فإذا قد دريت ذلك حق الدراية، وفكرت فيه إلى النهاية، فاعلم أن العالم غيب ما ظهر قط، والحق ظاهر ما غاب قط (3) وهذا هو مراد " صاحب الفتوحات " كما نبه عليه أخيرا، فعلى هذا الكفر بالله هو اعتقاد أنه تعالى شأنه غيب فحسب أو ظاهر فحسب، وأما الكفر بالشيطان هو اعتقاد أنه ظاهر في مقابل ظهور رب الأرباب، فإن الظهور هو الوجه النوراني، وقد عرفت أنه من قبل الرحمن وليس من العالم في شئ، ولا يكون عن هذا الشرك خالصا إلا من يرى استهلاك جميع الموجودات ذاتا وصفة وشأنا في الحق القيوم، بل التوحيد التام هو التحقق بهذا المقام.