فبعد ما ذكره وعارض به لا يخفى على متأمل.
فأما استدلاله على أن سليمان ورث داود علمه دون ماله بقوله: (يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين) (1) وإنما المراد أنه ورث العلم والفضل، وإلا لم يكن لهذا القول تعلق بالأول، فليس بشئ يعول عليه لأنه لا يمتنع أن يريد أنه ورث المال بالظاهر والعلم بهذا المعنى من الاستدلال فليس يجب إذ دلتنا الدلالة في بعض الألفاظ على معنى المجاز أن نقتصر بها عليه، بل يجب أن نحملها على الحقيقة التي هي الأصل إذا لم يمنع من ذلك مانع، على أنه لا يمتنع أن يريد ميراث المال خاصة ثم يقول: إنا مع ذلك علمنا منطق الطير، ويشير بالفضل المبين إلى العلم والمال جميعا فله بالأمرين جميعا فضل على من لم يكن عليهما وقوله: (وأوتينا من كل شئ) يحتمل المال كما يحتمل العلم فليس بخالص ما ظنه.
فأما قوله في قصة زكريا (إنه خاف على العلم أن يندرس لأن الأنبياء لا تحرص (2) على الأموال، وإنما خاف أن يضيع العلم، فسأل الله تعالى وليا يقوم بالدين مقامه) فقد بينا أن الأنبياء عليهم السلام وإن كانوا لا يحرصون على الأموال ولا يبخلون بها، فإنهم يجتهدون في منع المفسدين من الاستعانة بها على الفساد، ولا يعد ذلك حرصا، ولا بخلا، بل فضلا ودينا، وليس يجوز من زكريا أن يخاف على العلم أن يندرس ويضيع (3) لأنه يعلم أن حكمة الله تعالى تقتضي حفظ العلم الذي هو