الأنصار يتداولون ضيافته، ولم يرو أحد أن أبا بكر أضافه، وقام بمؤنته بالمدينة وقد كان صلى الله عليه وآله يبقى اليومين والثلاثة لا يطعم شيئا وربما شد الحجر (1) ووجوه الانفاق في المدينة معروفة لأنها الجهاد وتجهيز الجيوش وليس يمكن أحد أن يبين له إنفاق في شئ من ذلك.
وقد بين أصحابنا في الكلام على نفقة أبي بكر وادعائها تارة أنه كان مملقا غير موسر ودلوا على ذلك من حاله بأشياء:
منها، أنه كان يعلم الناس ويأخذ الأجر على تعليمه، وليس هذا صنيع الموسرين.
ومنها، أنه كان يخيط الثياب ويبيعها.
ومنها، أن أباه كان معروفا بالمسكنة والفقر وأنه كان ينادي في كل يوم على مائدة عبد الله بن جدعان بأجر طفيف، فلو كان أبو بكر غنيا لكفى أباه.
وبعد، فلو سلمنا لهم يساره وإنفاقه على ما يدعون لكان غير دال على الغرض الذي أجروا إليه، لأن المعتبر في الانفاق بالمقاصد والنيات.
فمن أين لهم أن غرض أبي بكر كان محمودا؟ وهذا مما لا بد لهم فيه من الرجوع إلى غير ظاهر الانفاق.
فأما قوله: " إنه كان صاحبه في الغار " فإنا متى اعتبرنا قصة الغار لم نجد فيها لأبي بكر فضلا بل وجدناه منهيا، والنهي من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يتوجه إلا إلى قبيح ونحن نبين ما يقتضيه استقراء الآية.