الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ٢٥
يقال له: قد أجاب أصحابنا من أن يكون قوله عليه السلام: (إلا أنه لا نبي بعدي) أراد به بعد نبوتي بجوابين:
أحدهما أن قوله عليه السلام: (لا نبي بعدي) يقتضي ظاهره بعد موتي لأن العادة جارية في فائدة مثل هذه اللفظة إذا وقعت على هذا الوجه بمثل ما ذكرناه، ألا ترى أن أحدنا إذا قال: فلان وصيي من بعدي وهذا المال يفرق على الفقراء من بعدي لم يفهم من كلامه إلا بعد وفاتي دون سائر أحواله، وإذا كان الظاهر يقتضي صحة قولنا وجب التمسك به، واطراح قول من سامه العدول عنه.
والجواب الثاني إنا لو سلمنا للخصوم ما اقترحوه من أن المراد بنفي النبوة لم يختص حال الوفاة، بل يتناول ما هو بعد حال نبوته من الأحوال لم يخل ذلك بصحة تأويلنا للخبر لأنا نعلم أن الذي أشاروا إليه من الأحوال يشتمل على أحوال الحياة، وأحوال الوفاة إلى قيام الساعة فيجب بظاهر الكلام، وبما حكمنا به من مطابقة الاستثناء في الحال التي وقع فيها المستثنى منه، أن يجب لأمير المؤمنين عليه السلام الإمامة في جميع الأحوال التي تعلق النفي بها، فإن أخرجت دلالة شيئا من هذه الأحوال أخرجناه لها وأبقينا ما عداه لاقتضاء ظاهر الكلام له، فكان ما طعن به مخالفونا إنما زاد قولنا صحة وتأكيدا، وهذا الجواب هو المعتمد دون الأول لأن لقائل أن يقول في الأول أن الظاهر من قول القائل بعدي لا يتناول أحوال الوفاة على ما ادعيتم، ولا يمتنع أن يكون هذه الكناية متعلقة بحال من أحوال القائل غير حال وفاته، لأنا نعلم أولا إنها ليست بكناية عن ذاته وإنما هي كناية عن حال من أحواله، فلا فرق بين بعض أحواله وبين بعض في صحة الكناية عنه بهذه اللفظة، ألا ترى إلى صحة قول القائل قدم فلانا بعدي، وتكلم بعدي وولي فلان كذا وكذا بعد فلان، وإن كانت لفظة بعدي جميعها كناية عن غير حال الوفاة، ومتعلقة بما يثبت في حال الحياة،
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»