معرفة سبب وجوبه، وقد تقدم فصلنا بين ما يعلم من ذلك باضطرار وما يعلم باكتساب فلا وجه لا عادته.
فأما قوله: " لأن العقلاء مختلفون فمنهم من ينصب رئيسا ومنهم من يعول على ما يعلمه من حال جميعهم في بذل النصفة (1) من أنفسهم، ومنهم من يبطل الرئيس ويعزله، ويعود إلى طريقة الشورى (2)... " فقد عرفنا وعرف من يفزع إلى نصب الرؤساء من العقلاء ويثابر على أمر الرئاسة. ويحذر من التفريط فيها، والاهمال لأمرها. وليس يعرف من الذي يعول على بذل النصفة من نفسه، ويظن الاستغناء عن الرؤساء والأئمة، وقد كان يجب عليه إذا ادعى ذلك أن يشير إلى من لا يمكن جحد مكانه، ولا يعول على محض الدعوى، وقوله " ومنهم من يعزل الرئيس ويعود إلى الشورى (3) " لسنا نعلم بأي طريق يقدح في مذهبنا، لأن رجوع من يرجع إلى الشورى لم يخرج به عن طريقة من يعتقد الحاجة إلى الرؤساء، ولزوم إقامتهم. لأن الشورى إنما هي زمان الفحص عن المستحق الأمر الرئاسة، وذلك يؤكد أمر الحاجة إلى الإمام، اللهم إلا أن يريد بلفظ الشورى الاهمال والاستغناء عن الإمام، فإذا كان يريد ذلك فهو غير مفهوم من هذه اللفظة مع الاصطلاح الواقع على معناها، وقد مضى الكلام على فساد ذلك - إن كان أراده - مستقصى (4).