الجملة ووجوب إقامة الرؤساء لا يدل بنفس ما دل به على الحاجة إليهم في الجملة على صفاتهم المخصوصة، وأحوالهم المعينة، بل لا بد من إثبات ذلك من الرجوع إلى طريقة أخرى، وهي وإن كانت من جملة طرق العقل وأدلته فليست نفس ما دلنا على وجوب الرئاسة، فنسبة صاحب الكتاب - على ظنه - أن طريقتنا في وجوب الرئاسة وصفات الرؤساء وأعدادهم واحدة [غير صحيحة].
فأما قوله: " إن العقلاء قد يفعلون (1) ما هو واجب وما ليس بواجب، فمن أين أنه واجب؟ وقد يفعلون (2) ما يحسن وما لا يحسن، فمن أين أنه حسن؟ وقد يفعلون (2) ما يشتركون في معرفته وسببه، وما يفترقون فيه، فمن أين أن جميعهم قد وقفوا على وجوب سببه (3)؟ وهذا يبين أن فعلهم ليس بحجة إلا إذا كان عن معرفة، (4)... " فقد بينا أن تعلقنا لم يكن بفعلهم فقط، بل بما يعلمونه من وجوب ذلك الفعل عليهم، وما في تركه من الاستضرار (5)، وفي فعله من الصلاح، وأنه مما لا يختلف حاله مع كون المكلفين على ما هم عليه بل العلم بوجوده مستمر غير منقطع. وإذا كنا قد فرغنا من ذلك فقد سقط ما ذكره في هذا الفصل لأنهم إذا كانوا قد فعلوه مع العلم بوجوبه فقد زاد ذلك على إثبات حسنه لأن الواجب في العقول لا يكون إلا حسنا، وبان أيضا أنهم مشتركون في