فليس يخلو كلامه هذا من أن يكون على تسليم مرادنا بقولنا: إنه لا يولى أو على المنازعة في ذلك، فإن كان مع التسليم فقد دللنا على تأثير هذه الصفة في العصمة بما لا مطعن عليه، وليس صاحب الكتاب ممن يخالفنا في أن الإمام لو تولى الله تعالى نصبه لوجب أن يكون مأمون الباطن، لأنه قد صرح في كلامه في هذا الموضع بذلك، وإن كان منازعا فيما أردناه بقولنا: إن الإمام لا يولى فلا معنى لإخراجه كلامه مخرج التسليم وإظهاره العدول عن المخالفة إلى الموافقة، ومفهوم كلامه أن الأمر إذا كان على ما ذكرتم فمن أين أنه يجب أن يكون معصوما، وقد كان يجب إذا كان منازعا أن يقيم على كلامه الأول ولا يعدل عنه.
فأما قوله: " وبعد، فلو أنه تعالى تعبد الإمام بأن يقوم بالحدود والأحكام، ولم يجوز له أن يولى كان لا يمتنع أن يكون التولية إلى صالحي الأمة فليست هذه الصفة بواجبة للإمام حتى يصح أن يجعل علة في العصمة " فلسنا نعلم من أي وجه كان كلامه هذا مفسدا لتأثير كون الإمام ممن تولى في العصمة.
فيقال له: أتوجب عصمته إذا كان له أن يولي، وإن سلمنا لك تطوعا جواز رد التولية إلى صالحي الأمة والعدول بها عنه على فساد ذلك عندنا، فإن قال: لا، قيل له: فلم نرك أفسدت ذلك بشئ أكثر من ذكر تقدير لم يثبت، وهو تقديرك أن تكون الولاية إلى غيره ولو ثبتت له لم يبطل ما قصدناه بالكلام من إيجاب كون الإمام معصوما إذا كانت إليه الولاية، وهذا موضع الخلاف لأنا لم نختلف في صفة من لا يولى بل فيمن له أن يولي.
فإن قال: إنما أردت أنها لو كانت علة في العصمة للزمت ووجبت على أصلكم وإذا جاز بما قدرته خروج الإمام عنها بطل أن تكون علته.