الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ١ - الصفحة ٢٣٨
كل عصر على سبيل الجمع، وإن من خصص أهل كل عصر بتناول القول له كمن خص فرقة من أهل العصر ويبطل هذا الوجه أيضا بأن الذاهب إليه مقترح ما لا يقتضيه اللفظ، ولا توجبه الحجة، ولو قيل له: من أين لك أن لفظة (أمتي) تختص المؤمنين ومن كان للثواب مستحقا دون غيرهم؟ لم يجد متعلقا ولا فرق بين من اقترح هذا التأويل وبين من حمل اللفظ على بعض من الأمة، أو من المؤمنين مخصوص، وليس يمكن في هذا الخبر ما أمكن في الآيات المتقدمة من قولهم: إن الكلام يقتضي المدح فلا بد من إخراج من لا يستحقه من جملته، وتبقية من عداهم، لأنه ليس في نفي الاجتماع على الخطأ عنهم دلالة على مدح وتعظيم، لأنه قد يجوز أن يعلم من حال جميعهم لأنهم لا يختارون الاجتماع على الخطأ، وإن كان كل واحد منهم يفعله متفردا به، ولا شبهة في أن هذا لا يقتضي مدحا، وقد روي معنى هذا الخبر بلفظ آخر وهو (لم يكن الله ليجمع أمتي على ضلال) وهذا صحيح غير مدفوع، وهو يدل على أنهم لا يختارون الاجماع على الضلال من قبل أنفسهم.
فأما ما رواه من قوله " لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق " (1) فما قدمناه يبطل الاستدلال به على أن الظهور على الأمر في اللغة هو الاطلاع عليه، والعلم به، وليس يفيد التمسك به، ونفي فعل ما يخالفه، لأنه قد يظهر على الحق ويعلمه من لا يعمل به، فكان الخبر يفيد أن طائفة من الأمة لا بد من أن تكون ظاهرة على الحق، بمعنى مطلعة عليه، عالمة به، وهذا لا يمنع من اجتماع الأمة على فعل الخطأ.

(١) المغني ١٧ / ١٨٠ ورواه كثير من المحدثين كالبخاري في صحيحة ٨ / ١٤٩ كتاب الاعتصام والتوحيد و ٨ / ١٨٩ المناقب. ومسلم في كتاب الإيمان ح 156 وعقد له بابا في كتاب الأمارة. وانظر المغني 17 / 180 و 181.
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»