لسان العرب - ابن منظور - ج ١٤ - الصفحة ٢٥٧
* دعا: قال الله تعالى: وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، قال أبو إسحق: يقول ادعوا من استدعيتم طاعته ورجوتم معونته في الإتيان بسورة مثله، وقال الفراء: وادعوا شهداءكم من دون الله، يقول:
آلهتكم، يقول استغيثوا بهم، وهو كقولك للرجل إذا لقيت العدو خاليا فادع المسلمين، ومعناه استغث بالمسلمين، فالدعاء ههنا بمعنى الاستغاثة، وقد يكون الدعاء عبادة: إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم، وقوله بعد ذلك: فادعوهم فليستجيبوا لكم، يقول: ادعوهم في النوازل التي تنزل بكم إن كانوا آلهة كما تقولون يجيبوا دعاءكم، فإن دعوتموهم فلم يجيبوكم فأنتم كاذبون أنهم آلهة. وقال أبو إسحق في قوله: أجيب دعوة الداع إذا دعان، معنى الدعاء لله على ثلاثة أوجه:
فضرب منها توحيده والثناء عليه كقولك: يا الله لا إله إلا أنت، وكقولك: ربنا لك الحمد، إذا قلته فقد دعوته بقولك ربنا، ثم أتيت بالثناء والتوحيد، ومثله قوله: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي، فهذا ضرب من الدعاء، والضرب الثاني مسألة الله العفو والرحمة وما يقرب منه كقولك: اللهم اغفر لنا، والضرب الثالث مسألة الحظ من الدنيا كقولك: اللهم ارزقني مالا وولدا، وإنما سمي هذا جميعه دعاء لأن الإنسان يصدر في هذه الأشياء بقوله يا الله يا رب يا رحمن، فلذلك سمي دعاء. وفي حديث عرفة: أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفات لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، وإنما سمي التهليل والتحميد والتمجيد دعاء لأنه بمنزلته في استيجاب ثواب الله وجزائه كالحديث الآخر: إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وأما قوله عز وجل: فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين، المعنى أنهم لم يحصلوا مما كانوا ينتحلونه من المذهب والدين وما يدعونه إلا على الاعتراف بأنهم كانوا ظالمين، هذا قول أبي إسحق.
قال: والدعوى اسم لما يدعيه، والدعوى تصلح أن تكون في معنى الدعاء، لو قلت اللهم أشركنا في صالح دعاء المسلمين أو دعوى المسلمين جاز، حكى ذلك سيبويه، وأنشد:
قالت ودعواها كثير صخبه وأما قوله تعالى: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، يعني أن دعاء أهل الجنة تنزيه الله وتعظيمه، وهو قوله:
دعواهم فيها سبحانك اللهم، ثم قال: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، أخبر أنهم يبتدئون دعاءهم بتعظيم الله وتنزيهه ويختمونه بشكره والثناء عليه، فجعل تنزيهه دعاء وتحميده دعاء، والدعوى هنا معناها الدعاء. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي، وقال مجاهد في قوله: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، قال: يصلون الصلوات الخمس، وروي مثل ذلك عن سعيد بن المسيب في قوله: لن ندعو من دونه إلها، أي لن نعبد إلها دونه. وقال الله عز وجل:
أتدعون بعلا، أي أتعبدون ربا سوى الله، وقال: ولا تدع مع الله إلها آخر، أي لا تعبد. والدعاء: الرغبة إلى الله عز وجل، دعاه دعاء ودعوى، حكاه سيبويه في المصادر التي آخرها ألف التأنيث، وأنشد لبشير بن النكث:
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»
الفهرست