لسان العرب - ابن منظور - ج ١٤ - الصفحة ١٤٥
تقضي فيه نفس شيئا: جزيت فلانا حقه أي قضيته. وأمرت فلانا يتجازى ديني أي يتقاضاه. وتجازيت ديني على فلان إذا تقاضيته. والمتجازي: المتقاضي. وفي الحديث:
أن رجلا كان يداين الناس، وكان له كاتب ومتجاز، وهو المتقاضي.
يقال: تجازيت ديني عليه أي تقاضيته. وفسر أبو جعفر بن جرير الطبري قوله تعالى: لا تجزي نفس عن نفس شيئا، فقال: معناه لا تغني، فعلى هذا يصح أجزيتك عنه أي أغنيتك. وتجازى دينه:
تقاضاه. وفي صلاة الحائض: قد كن نساء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يحضن أفأمرهن أن يجزين أي يقضين؟ ومنه قولهم: جزاه الله خيرا أي أعطاه جزاء ما أسلف من طاعته. وفي حديث ابن عمر: إذا أجريت الماء على الماء جزى عنك، وروي بالهمز. وفي الحديث: الصوم لي وأنا أجزي به، قال ابن الأثير: أكثر الناس في تأويل هذا الحديث وأنه لم خص الصوم والجزاء عليه بنفسه عز وجل، وإن كانت العبادات كلها له وجزاؤها منه؟ وذكروا فيه وجوها مدارها كلها على أن الصوم سر بين الله والعبد، لا يطلع عليه سواه، فلا يكون العبد صائما حقيقة إلا وهو مخلص في الطاعة، وهذا وإن كان كما قالوا، فإن غير الصوم من العبادات يشاركه في سر الطاعة كالصلاة على غير طهارة، أو في ثوب نجس، ونحو ذلك من الأسرار المقترنة بالعبادات التي لا يعرفها إلا الله وصاحبها، قال: وأحسن ما سمعت في تأويل هذا الحديث أن جميع العبادات التي تقرب بها إلى الله من صلاة وحج وصدقة واعتكاف وتبتل ودعاء وقربان وهدي وغير ذلك من أنواع العبادات قد عبد المشركون بها ما كانوا يتخذونه من دون الله أندادا، ولم يسمع أن طائفة من طوائف المشركين وأرباب النحل في الأزمان المتقدمة عبدت آلهتها بالصوم ولا تقربت إليها به، ولا عرف الصوم في العبادات إلا من جهة الشرائع، فلذلك قال الله عز وجل:
الصوم لي وأنا أجزي به أي لم يشاركني فيه أحد ولا عبد به غيري، فأنا حينئذ أجزي به وأتولى الجزاء عليه بنفسي، لا أكله إلى أحد من ملك مقرب أو غيره على قدر اختصاصه بي، قال محمد بن المكرم: قد قيل في شرح هذا الحديث أقاويل كلها تستحسن، فما أدري لم خص ابن الأثير هذا بالاستحسان دونها، وسأذكر الأقاويل هنا ليعلم أن كلها حسن:
فمنها أنه أضافه إلى نفسه تشريفا وتخصيصا كإضافة المسجد والكعبة تنبيها على شرفه لأنك إذا قلت بيت الله، بينت بذلك شرفه على البيوت، وهذا هو من القول الذي استحسنه ابن الأثير، ومنها الصوم لي أي لا يعلمه غيري لأن كل طاعة لا يقدر المرء أن يخفيها، وإن أخفاها عن الناس لم يخفها عن الملائكة، والصوم يمكن أن ينويه ولا يعلم به بشر ولا ملك، كما روي أن بعض الصالحين أقام صائما أربعين سنة لا يعلم به أحد، وكان يأخذ الخبز من بيته ويتصدق به في طريقه، فيعتقد أهل سوقه أنه أكل في بيته، ويعتقد أهل بيته أنه أكل في سوقه، ومنها الصوم لي أي أن الصوم صفة من صفات ملائكتي، فإن العبد في حال صومه ملك لأنه يذكر ولا يأكل ولا يشرب ولا يقضي شهوة، ومنها، وهو أحسنها، أن الصوم لي أي أن الصوم صفة من صفاتي، لأنه سبحانه لا يطعم، فالصائم على صفة من صفات الرب، وليس ذلك في أعمال الجوارح إلا في الصوم وأعمال القلوب كثيرة كالعلم والإرادة، ومنها الصوم لي أي أن كل عمل قد أعلمتكم مقدار ثوابه إلا الصوم فإني انفردت بعلم ثوابه لا أطلع عليه أحدا، وقد جاء ذلك مفسرا في حديث
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»
الفهرست