الدين والوديعة وشبههما أهون من رفع اليد عن ظواهر تلك الأخبار خصوصا خبر ابن سنان المشتمل على التعليل بأنه لم يصل إلى سيده حيث إن الغالب في مورده كون سيده قادرا على الاخذ منه فليتأمل * الثالث: مقتضى صريح عبارة المصنف في المتن وظاهر غيره في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية اعتبار التمكن من التصرف في الأجناس كلها ولكن في المدارك قال في شرح عبارة المصنف الآتية فلا زكاة في المغصوب ما لفظه إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في المغصوب بين كونه مما يعتبر فيه الحول كالانعام أو لا يعتبر فيه ذلك كالغلات وبهذا التعميم حكم الشارح قه فقال إن الغصب إذا استوعب مدة شرط الوجوب وهو نموه في الملك بأن لم يرجع إلى مالكه حتى بدا الصلاح لم يجب وهو مشكل جدا لعدم وضوح مأخذه إذ غاية ما يستفاد من الروايات المتقدمة أن المغصوب إذا كان مما يعتبر فيه الحول وعاد إلى ملكه يكون كالمملوك ابتداء فيجري في الحول من حين عوده ولا دلالة لها على حكم ما لا يعتبر فيه الحول بوجه ولو قيل بوجوب الزكاة في الغلات متى تمكن المالك من التصرف في النصاب لم يكن بعيدا إنتهى وأجاب شيخنا المرتضى (ره) عن دعوى عدم كونه شرطا في الغلات نظرا إلى اختصاص أدلته بما يعتبر فيه الحول من الأجناس بأنه خلاف فتاوى الأصحاب بل خلاف ظاهر ما يستفاد من الاخبار بعد التأمل فإن قوله (ع) في رواية سدير المسؤول فيها عن المال الذي فقد بعد حلول الحول ووجده صاحبه بعد سنين أن يزكيه سنة واحدة يعني السنة الأولى قبل الفقدان لأنه كان غائبا عنه يدل بمقتضى التعليل على إن كل مال غائب لا يجب عليه الزكاة والمراد من الغائب ما يعم المفقود فيدل على أن الزكاة لا تتعلق بعين المال المفقود ولا شك في عدم القول بالفصل بينه و بين مطلق غير المتمكن كالمغصوب والمجحود ونحوهما فيدل الخبر على إن الزكاة لا تتعلق بالعين التي لا يتمكن مالكه من التصرف فيها كما إذا فرضنا الزرع حال انعقاد حبته أو تسميته حنطة أو شعيرا مغصوبا فالزكاة لا تتعلق بعينها بمقتضى الرواية المنضمة إلى عدم القول بالفصل فإذا لم يتعلق به حينئذ زكاة فلا تتعلق به بعد ذلك لان الزكاة إنما تتعلق بالغلات بمجرد صدق الاسم أو بمجرد انعقاد الحب في ملك المكلف كما يدل عليه جميع ما دل على بيان وقت الوجوب ودعوى دلالة العمومات على وجوب الزكاة في الغلات خرج صورة عدم التمكن من الاخراج فاسدة جدا إذ تلك العمومات ليست إلا ما دل على تعلق الزكاة في الأجناس الأربعة فإذا فرض عدم تعلقها بها حتى تحقق عنوان هذه الأجناس في الخارج فلا مقتضى لثبوتها فيها بعد ذلك الا ترى إنه لو دخلت في ملك المكلف بعد ذلك أو حدث شرط لم يكن قبل ذلك انتفى الزكاة إجماعا ولا يجوز التمسك في وجوبها بعموم ما دل على وجوبها في هذه الأجناس فعلم من ذلك إن لتعلق الزكاة بعين الغلات وقتا مخصوصا لو لم تتعلق فيه بها لم تتعلق بعد ذلك إنتهى ويمكن الاستدلال له أيضا بسائر الروايات المتقدمة الواردة في المال الغائب إذ المنساق من قوله عليه السلام لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك نفي تعلق الزكاة بالمال الغائب كالدين حتى يستولي عليه ويدخل تحته تصرفه فإن هذا هو المراد بالوقوع في اليد لا حقيقته وانصراف المال الغائب عن ثمر الزرع والنخل إن كان فبدري يرتفع بعد التفات الذهن إلى المناسبة بين الحكم وموضوعه وكون الحكم متعلقا على الوصف المناسب المشعر بالعلية وتوهم عدم التنافي بينه وبين تعلق الزكاة بثمرة النخل والزرع بعد وصولها إليه مدفوع بما نبه عليه شيخنا المرتضى (ره) في عبارته المتقدمة من أنه إذا لم يكن المال حال تعلق الزكاة بالمال واجدا لشرائطها لم يكن مقتضيا لتعلقها به بعده وليس المقصود بهذه الرواية بيان الحكم التكليفي المحض أي وجوب دفعها إلى الفقير كي لا ينافيه تعلق الزكاة به قبل وصوله إليه وإلا لقيده ببقائه عنده بعد وصوله حتى يحول عليه الحول فيما يعتبر ذلك فيه بل المقصود به بيان عدم كون المال الغائب كالدين متعلقا لهذا الحق ما دام غائبا كما هو ظاهر وكذا ما ورد في ميراث الغائب إذ المقصود بالسؤال في قوله كيف يصنع بميراث الغائب مطلق ما ورثه من أبيه فقوله (ع) في جوابه يعزل حتى يجئ عام لمطلق ما ملكه بالإرث زكويا كان أم غير زكوي ولما حكم الإمام عليه السلام بأنه يعزل ميراثه حتى يجئ احتمال السائل تعلق الزكاة بماله فسئله عن ذلك فأجابه الإمام عليه السلام بقوله لا حتى يجئ وهذا الكلام بظاهره كلام تام واف ببيان ما هو المقصود ببيانه من هذا الجواب بحيث لو لم يلحقه سؤال آخر لكان الإمام عليه السلام يقتصر عليه ولم يكن فيه قصور في إفادة مرامه وهو بيان عدم تعلق الزكاة بحصته المعزولة له حتى يجئ وهذا الجواب بإطلاقه شامل لجميع ما ملكه بالإرث مما من شانان يتعلق به الزكاة سواء كان مما يعتبر فيه الحول أم لم يكن ولا يصلح أن يكون ما ذكره عليه السلام جوابا عن سؤاله الأخير من قوله (ع) لا حتى يحول عليه الحول قرنية على صرف هذا الكلام عن ظاهر من الاطلاق كما أنه لا يصلح أن يكون قرنية على إن المراد بقوله عليه السلام في صدر الخبر يعزل حتى يجئ خصوص هذا القسم من المال إذ المقصود بهذا الجواب بيان عدم تنجز التكليف بالزكاة بمجرد مجيئه بل لا بد فيه بعد ذلك من تحقق شرطها وهو حول الحول في الغائب فتخصيصه بالذكر على الظاهر من باب التمثيل لنكتة الغلبة لا لإرادته بالخصوص وكيف كان فهذا الجواب لا يصلح أن يكون قرينة تصرف ما وقع عنه السؤال في القضية الأولى أو الثانية عن ظاهرهما من الاطلاق كما لا يخفى على المتأمل هذا كله مع أن المسألة بحسب الظاهر مما لا خلاف فيه فالتشكيك فيه لعله في غير محله ولكنك عرفت فيما سبق إن التمكن من التصرف المعتبر في تحقق أصل التكليف بالزكاة إي تعلقها بالمال عبارة عن كون النصاب تحت يده غير محجوب عنه ولا ممنوع عن التصرف فيه ولو لمانع شرعي حسبما مر الكلام فيه مفصلا وأما إمكان صرفها إلى مستحقها الذي به يحصل القدرة على إداء الواجب فهو معتبر في الضمان لا في الوجوب فضلا عن كونه شرطا في تعلق الزكاة بالمال الذي هو حكم وضعي سببي لا يدور تحققه مدار صحة التكليف فمتى ملك النصاب وحال عليه الحول وهو في يده تعلقت الزكاة بماله ووجب صرفها إلى مستحقيها مهما قدر عليه فإمكان الأداء من المقدمات الوجودية للواجب لا من شرائط الوجوب وإما القدرة على الامتثال التي هي شرط عقلي لصحة الطلب فهي عبارة عن كون المكلف ممن يتمكن في شئ من أزمنة مطلوبية الفعل من إيجاده لا كونه بالفعل قادرا عليه فالقدرة العقلية المعتبرة في صحة التكليف بالزكاة عبارة عن كون المكلف ممن يقدر على أن يصرفها إلى مستحقها فيما يستقبل ولو بعد سنين فمتى تنجز في حقه هذا التكليف بان تحقق سببه وجب عليه تحصيل القدرة على الأداء ولو بحفظ المال إلى إن يتمكن منه فيما يستقبل وحيث أنه ليس تكليفا محضا بل حق مالي يبقى المال عند عدم تمكنه من الايصال
(١٤)