وأما ما ذكره من استلزام هذا الحكم عدم وجوب الزكاة على الكافر فهو إشكال يتوجه على سائر التكاليف المشروطة التي يتوقف الخروج عن عهدتها على مقدمة متقدمة على زمان حصول شرطها وحضور وقتها بحيث لو أخل بها أمتنع توجه الخطاب بفعلها بعد حصول شرطه وقد حققنا في أول كتاب الطهارة لدى البحث عن وجوب الغسل في الليل لصوم الغد ما يندفع به هذا الاشكال وملخصه أن المدار في صحة التكليف وحسن المؤاخذة على مخالفته إنما هو على تمكن المكلف من الخروج عن عهدته ولو بترتيب مقدماته من قبل عشرين سنة لا القدرة المقيدة بحصولها بعد حضور وقت الفعل أو حصول شرطه لكن يجب عند توقفه على مقدمة متقدمة أن يوجه إليه التكليف من حين قدرته عليه فيصح أن يكلف كل أحد من أول بلوغه بأن يسلم ويؤدي زكاة أمواله في كل سنة ما دام حيا وإن يأتي بالفرائض اليومية في أوقاتها ويقضيها في خارج الوقت فإذا كلفه بذلك في أول بلوغه صحت مؤاخذته على مخالفة الجميع وإن كانت صحة الجميع مشروطة بإسلامه في اليوم الأول من بلوغه ولا ينافي في ذلك سقوطها عنه بحدوث الاسلام له حين حصول شرطها أو حضور وقتها كما لا يخفى على المتأمل وحيث لا يصح من الكافر أداء الزكاة فإذا تلفت منه لا يجب عليه ضمانها وإن أهمل على ما صرح به في المتن وغيره لأنه غير متمكن حينئذ من الأداء ولا يكون التلف مع عدم التمكن من الأداء مقتضيا للضمان ولكن قد يشكل ذلك بأن عدم تمكنه من الأداء إذا كان مسببا عن اختياره بقائه على الكفر لا يصلح أن يكون مانعا عن الضمان الذي هو من مقتضيات اليد ما لم يدل على خلافه فالقول بتحقق الضمان كما ربما يستشعر من كلمات غير واحد من المتأخرين لعله أقوى ولكن البحث عنه كالبحث عن وجوب أصل الزكاة على الكافر بعد الالتزام بسقوطها عنه بالإسلام قليل الفائدة وما يقال من أن ثمرة وجوبها تظهر لجواز القهر عليه كما في غيره من الممتنعين من أداء الزكاة فهو لا يخلو من إشكال أما بالنسبة إلى الذمي والمعاهد فإن كان أخذ الزكاة منهم داخلا فيما شرط عليهم فلا كلام فيه وإلا فإلزامهم بدفعها أو أخذها منهم بمحض ثبوتها في شرع الاسلام مشكل لأنه ينافي تقريرهم على ما هم عليه لان قضية ذلك عدم مزاحمتهم في ما يرونه ملكا لهم بسبب أو نسب أو معاملة فاسدة بل ترتيب أثر الملكية الصحيحة على ما يرونه في مذهبهم ملكا لهم كما في ثمن الخمر والخنزير وميراث العصبة وإلا لكان وجوب إخراج الزكاة من أموالهم لدى انتقالها إلى مسلم بهبة أو بيع أو ارث و نحوه من أظهر الثمرات ولكن الظاهر عدم التزام أحد بها وأما بالنسبة إلى الحربي فإنه وإن جاز أخذ أمواله جميعها منه قهرا ولكن الزامه بدفع الزكاة أو أخذ شئ منه بهذا العنوان بحيث يترتب عليه أثره بأن يتعين صرفه إلى مصرفها المعين فلا يخلو من إشكال فيتأمل والمسلم إذا لم يتمكن من إخراجها وتلفت لم يضمن للأصل وغيره ولو تمكن أو فرط ضمن كما يدل عليه روايا ت مستفيضة منها قول أبي جعفر عليه السلام في حسنة محمد بن مسلم إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها وغير ذلك مما تعرفه إن شاء الله والمجنون والطفل لا يضمنان ما يتلف إذا أهمل الولي مع القول بالوجوب في الغلات والمواشي لعدم المقتضى له و إنما الكلام في ضمان الولي ففي المدارك وغيره لا يبعد تضمينه لأنه مخاطب بالإخراج فيجري مجرى المالك أقول وهو على إطلاقه ما لم يندرج تحت ضمان اليد أو الاتلاف لا يخلو من إشكال والله العالم. النظر الثاني: في بيان ما تجب فيه وما تستحب. تجب الزكاة في الانعام الإبل والبقر والغنم وفي الذهب والفضة والغلات الأربع الحنطة والشعير والتمر و الزبيب ولا تجب فيما عدا ذلك أما وجوبها في التسعة المزبورة فمما لا شبهة بل لا خلاف فيه نصا وفتوى قال العلامة في التذكرة وقد أجمع المسلمون كافة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب واختلفوا فيما عدا ذلك إنتهى وأما عدم وجوبها فيما عدا ذلك ففي محكي المعتبر أنه مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد ونقل عن ابن الجنيد أنه قال تؤخذ الزكاة في أرض المعشر من كل ما دخل القفيز من حنطة وشعير وسمسم وأرز ودخن و ذرة وعدس وسلت وساير الحبوبات وفاقا للمحكي عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك و أبي يوسف ويدل على انحصار وجوب الزكاة في التسعة المزبورة أخبار متضافرة منها: صحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا فرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال وسنها رسول الله صلى الله عليه وآله في تسعة أشياء وعفى عما سواهن في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر و الزبيب وعفى رسول الله صلى الله عليه وآله عما سوى ذلك وفي الموثق عن زرارة قال سئلت أبا جعفر عن صدقات الأموال فقال في تسعة أشياء ليس في غيرها شئ من الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم السائمة وهي الراعية الحديث وفي الموثق عن أيضا زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال ليس في شئ مما أنبتت الأرض من الأرز والذرة والحمص والعدس وسائر الحبوب والفواكه شئ غير هذه الأربعة الأصناف وإن كثر ثمنه إلا أن يصير ما لا يباع بذهب أو فضة تكنزه ثم يحول عليه الحول الحديث وفي الموثق عن عبد الله بن بكير عن محمد بن الطيار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عما يجب فيه الزكاة فقال في تسعة أشياء الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم وعفى رسول الله صلى الله عليه وآله عما سوى ذلك فقلت أصلحك الله فإن عندنا حبا كثيرا قال فقال وما هو قلت الأرز قال ما أكثره فقلت فيه الزكاة قال فزبرني ثم قال أقول لك أن رسول الله صلى الله عليه وآله عفى عما سوى ذلك وتقول لي أن عندنا حبا كثيرا أفيه الزكاة وفي مرسل القماط أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الزكاة فقال وضع رسول الله صلى الله عليه وآله الزكاة على تسعة وعفى عما سوى ذلك الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والبقر والغنم والإبل فقال السائل فالذرة فغضب (ع) ثم قال كان والله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك فقال إنهم يقولون أنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما وضع في تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك فغضب فقال كذبوا فهل يكون العفو إلا عن شئ قد كان ولا و الله ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة البالغة حد التواتر الحاصرة للزكاة في التسعة المزبورة لا حاجة إلى استقصائها وبإزاء هذه الأخبار أخبار ظاهرها ثبوت الزكاة في كل شئ يكال من الحبوب منها خبر أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الحرث ما يزكى منه قال البر والشعير والذرة والأرز والسلت والعدس كل ذلك مما يزكى وقال كلما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة وصحيحة محمد بن مسلم أو حسنته قال سئلته عن الحب ما يزكى منه فقال البر والشعير والذرة والدخن والأرز والسلت والعدس والسمسم وكل هذا يزكى وأشباهه وعن زرارة في الصحيح مثله وقال كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله
(١٨)