في جملة الاشراف أبا الحسن (ع)، فشق عليه ما لقيه من الحر قال زرافة:
فأقبلت إليه وقلت: يا سيدي يعز علي ما تلقى من هذه الطغاة، وما قد تكلفته من المشقة، فقال (ع): يا زرافة، ما ناقة صالح عند الله بأكرم مني ولم أزل أسائله وأستفيد منه وأحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب وأمر الناس بالانصراف، فقدمت إليهم دوابهم فركبوا إلى منازلهم وقدمت بغلة له (ع) فركبها وركبت معه إلى داره (ع)، فنزل فودعته وانصرفت إلى داري.
وكان لولدي مؤدب يتشيع من أهل العلم والفضل، وكانت لي عادة بإحضاره عند الطعام، فحضر ذلك اليوم وتجاريت معه الحديث وما جرى من ركوب المتوكل والفتح ومشي الاشراف وذوي الاقدار بين أيديهما، وذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن الهادي (ع) وما سمعته من قوله (ع): ما ناقة صالح بأعظم عند الله قدرا مني، وكان المؤدب يأكل معي فرفع يده وقال: بالله إنك سمعته يقول بهذا اللفظ؟ فقلت له: والله إني سمعته يقول ذلك، فقال: اعلم أن المتوكل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك، فانظر في أمرك واحرز ما تريد احرازه، وتأهب كيلا يفجأكم أمره ثم جعل يجري في كلامه، فقلت له: من أين لك هذا العلم؟ فقال: أما قرأت القرآن في قصة الناقة في قوله تعالى: (فتمتعوا في داركم ثلاثة أيام) (1) الآية؟ ولا يجوز أن يبطل قول الإمام (ع)، قال زرافة: فما جاء اليوم الثالث حتى جاء المنتصر ومعه بغايا ووصيف والأتراك على المتوكل، فقتلوه هو والفتح بن خاقان وقطعوهم قطعا قطعا حتى لا يعرف أحدهما من الآخر، وأزال الله نعمته ومملكته، فلقيت الامام أبا الحسن (ع) وعرفته ما جرى من المؤدب وما قاله فقال صدق إنه لما بلغ بي الجهد من المسير رجعت إلى كنوز عندنا كنا نتوارثها من آبائنا، وهي أعز من الحصون وأمنع من السلاح والجنن، وهو دعاء المظلوم على الظالم فقلت: يا سيدي تعلمنيه فعلمنيه: