هذا علي بن الحسين فجلس مكانه فقال: ردوه إلي، فردوه فقال: يا علي بن الحسين إني لست قاتل أبيك فما يمنعك من المصير إلينا؟ فقال: إن قاتل أبي أفسد على نفسه بما فعل دنياه وأفسد عليه أبي آخرته، فإن أحببت أن تكون كهو فكن فقال: كلا ولكن صل إلينا لتنال من دنيانا فجلس زين العابدين (ع) وبسط ردائه وقال: اللهم أره حرمة أوليائك عندك، فإذا ردائه مملوا درا يكاد شعاعها يخطف الابصار فقال لهم: من ستكون هذه حرمته عند ربه كيف يحتاج إلى دنياكم ثم قال: اللهم خذها فما لي فيها حاجة، ومن هذا بعض مقاماته الكريمة ومناقبه الفاخرة المنبئة أنه من ملوك الدنيا وسلاطين الآخرة كيف تغل يداه إلى عنقه، وتوضع جامعة الأسر على صدره، ويطاف به بعماته وأخواته على ظهور الجمال وهن حواسر بعد ذلك العز والجلال.
[تتصفح البلدان صورة سبيها * أشكال بارزة بذل المثل] [تسود من ضرب السياط متونها * ووجوهها بلظى الهواجز تصطلي] فكلما نظر سلام الله عليه إليهن وهن على ذلك الحال في غاية الأسر والإذلال يزداد بكاءه ويعلو شجاه.
[ويصيح وا ذلاه أين عشيرتي * وسرات قومي أين أهل ودادي] [أين الكماة وأين جدي حيدر * مردي القروم وصارع الآساد] فيا بنفسي كم كابد سلام الله عليه من مصائب عظيمة، وتحمل من رزايا جسيمة تندل لبعضها شامخات الجبال، وتشيب لقليلها رؤوس الأطفال.
[لقد تحمل من أرزائها محنا * لم يحتملها نبي أو وصي نبي] بعينيه رأى والده الحسين سيد الشهداء وإمام السعداء جثة بلا رأس، منخمد الأنفاس، عار على وجه الرمضاء، مقطع الأعضاء ومن حوله أهل بيته الأبرار وأصحابه الأخيار.