نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - الصفحة ٧١
ومن ثم انعكست هذه المعايشة العلوم الطبيعية في البيت والمصنع والشارع وظهر أثرها في عقيدة الإنسان المعاصر في صورة الشك القاتل في كل ما سوى الماديات: وتسرب إلى نفسه وقلبه الذي لم ينعم بنعمة اليقين فأنكر مثل هذه الخوارق وكفر بكل ما يماثلها من معجزات.
وهكذا أصبح الحديث عن المغيبات والسمعيات التي جاء ذكر بعضها، في القرآن وذكر بعضها الآخر في السنة السمحاء من القضايا الفكرية التي يصعب على العالم مهما بلغ من تخصص وتحصيل من موسوعية أن يطويها في نفوس هؤلاء القلة من المعاصرين.
لقد أجمع القدماء من شقي هذه الأمة (السنة والشيعة) على حقيقة المهدي وأنه من بيت النبوة، وأنه من آل الحسين، وأن الله يصلحه في يوم أو ليلة، وأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وأنه يحكم الأرض سبع سنوات أو تسع سنوات - على اختلاف في الرواية - وأنه يقود الناس إلى السعادة بعد أن عمهم الشقاء وأنه يستقبل نزول عيسى بن مريم، وأن عيسى يصلي خلفه، إلى آخر ما جاء من نعوته التي أشارت إليها أحاديث المغيبات، وقد بلغت نحو تسعة وثلاثين حديثا عند السنة وقاربت الثلاثمائة حديث عند السادة الإمامية.
فالإجماع في وجود المهدي وفي خروجه حين تتأزم الحياة وتضطرب أحوال العباد لا شك فيه عند الفريقين إلا أن الإمامية يرونه اختفى بعد سنوات معدودة من مولده المبارك من والده أبي الحسن العسكري سلام الله عليه وأهل السنة لا يشكون في حقيقة المهدي، غاية ما في الأمر أنهم يعتقدون
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»