توجد عوامل إيمانية كثيرة في ذلك، والجامع المشترك بينها هو الأخلاق الكريمة التي عرف بها الحسين (عليه السلام) في التاريخ كما قلنا.
وفي ذلك كتب العلامة باقر شريف القرشي عن ذلك قائلا: لقد غذاهم أبو عبد الله (عليه السلام) بروحه وهديه، وغمرهم بأخلاقه فابتعدت أرواحهم عن الدنيا وتجردوا من مادية الجسد، وتحررت قلوبهم وعواطفهم من شواغل الحياة.. فأي معلم كان الحسين؟ وأي مدرسة ملهمة كانت مدرسته؟ وهل تستطيع أجيال الدنيا أن توجد مثل هذا الطراز إيمانا بالله، وإخلاصا للحق... وقد تفانى أصحاب الإمام في الولاء والإخلاص له، وضربوا بذلك أروع الأمثلة للوفاء، فهذا مسلم بن عوسجة، وهو من أفذاذ أنصار الإمام لما برز إلى القتال، ووقع صريعا على الأرض قد تناهبت السيوف والرماح جسمه، مشى إليه الإمام مع حبيب بن مظاهر وكان البطل يعاني آلام الاحتضار، فطلب منه حبيب أن يوصي إليه بما أهمه، فقال له بصوت خافت حزين النبرات: " أوصيك بهذا - وأشار إلى الإمام - أن تموت دونه ".
أي وفاء هو معرض للزهو والفخار مثل هذا الوفاء؟
لقد أعطى لأجيال الدنيا الدروس في الولاء الباهر للحق، فهو في لحظاته الأخيرة، وحشرجة الموت في صدره لم يفكر إلا بالإمام، وأعرض عن كل شئ في حياته.
وهذا البطل العظيم سويد بن أبي المطاع الذي هو من أنبل الشهداء وأصدقهم في التضحية هوى جريحا في المعركة فتركه الأعداء، ولم يجهزوا عليه لظنهم انه قد مات، فلما تنادوا بمصرع الإمام لم يستطع أن يسكن لينجو، فقام والتمس سيفه فإذا هو قد سلبوه، ونظر إلى شئ يجاهد به فوقعت يده على مدية (1)، فأخذ يوسع القوم طعنا فذعروا منه، وحسبوا أن الموتى أعيدت لهم حياتهم ليستأنفوا الجهاد ثانيا مع الإمام، فلما تبين لهم أن الأمر ليس كذلك، انعطفوا عليه فقتلوه، فكان - حقا - هذا هو الوفاء في أصحاب الإمام حتى الرمق الأخير من حياتهم.
ولم يقتصر هذا الوفاء على الرجال، وإنما سرى إلى النساء اللاتي كن في المعركة، فكانت المرأة تسارع إلى ابنها تتضرع إليه ليستشهد بين يدي الإمام، والزوجة تسارع إلى