من أخلاق الإمام الحسين (ع) - عبد العظيم المهتدي البحراني - الصفحة ٢٦٢
هكذا.. - فلم تتمكن الآلاف من جنود الضلالة أن يركعوا الحسين لغير الله، إنك تجد روح الإباء والفداء والايمان كيف تصنع القوة والشجاعة في الرجل، ولم يكن لحثالات الشياطين وجنود إبليس طريقا لإيقاف الحسين (عليه السلام) - حتى غدروا به بالحجارة والسهام من بعيد، وبالفعل لم يكن لعدوه الحقير سبيلا للقضاء عليه إلا الغدر والتوسل بالأساليب الجبانة، كما لم يكن للحسين في الرد عليهم إلا الصبر والتسليم لأمر الله، فصبر وصابر بما لديه من مخزون التوكل على الله والرضا بما يشاء الحبيب:
إلى أن أتاه السهم من كف كافر * ألا خاب باريها وضل المصوب فخر على وجه التراب لوجهه * كما خر من رأس الشناخيب أخشب يقول الشيخ عباس القمي (رحمه الله): في الشجاعة والصبر الحسين (عليه السلام) يضرب بها المثل، وصبره في مواقف الحرب أعجز الأواخر والأول، ومقامه في مقاتلة هؤلاء الفجرة عادل مقام جده (صلى الله عليه وآله) ببدر فاعتدل، وصبره على كثرة أعدائه وقلة أنصاره صبر أبيه في صفين والجمل، وناهيك في هذا المقام ما في الزيارة الواردة عن الناحية المقدسة - الإمام الحجة - (على صاحبها آلاف السلام):
" وبدؤك بالحرب فثبت للطعن والضرب، وطعنت جنود الفجار، واقتحمت قسطل (1) الغبار، مجالدا بذي الفقار، كأنك علي المختار، فلما رأوك ثابت الجأش، غير خائف ولا خاش نصبوا لك غوائل مكرهم، وقاتلوك بكيدهم وشرهم، وأمر اللعين جنوده فمنعوك الماء ووردوه، وناجزوك القتال، وعاجلوك النزال، ورشقوك بالسهام والنبال، وبسطوا إليك أكف الاصطلام (2) ولم يرعوا لك ذماما، ولا راقبوا فيك آثاما، في قتلهم أوليائك، ونهبهم رحالك، وأنت مقدم في الهبوات (3) ومحتمل للأذيات، قد عجبت من صبرك ملائكة السماوات، فأحدقوا بك من كل الجهات، وأثخنوك بالجراح، وحالوا بينك وبين الرواح، ولم يبق لك ناصر وأنت محتسب صابر، تذب عن نسوتك وأولادك، حتى نكسوك عن جوادك، فهويت إلى الأرض جريحا، تطؤك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها (4)، قد رشح للموت جبينك، واختلفت

1 - الغبار الذي يرتفع حين احتدام المعركة.
2 - أي الأيدي التي تقصد قطع الجذور.
3 - الغبار الشديد المرتفع في الجو.
4 - السيوف القاطعة البتارة.
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»