والإمامة هنا ليست هي النبوة والرسالة، فقد كان إبراهيم عليه السلام نبيا يوحى إليه من الله قبل هذا الوقت وأرسله الله تعالى إلى قومه، ليدعوهم إليه وينقذهم من الشرك.
وحباه الله تعالى بالإمامة في كبره، بعد ولادة إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، وبعد أن ابتلاه الله تعالى بالكواكب والقمر والشمس، وبالأصنام، وبالنار، وبالهجرة، وبذبح ابنه إسماعيل عليه السلام وهي امتحانات صعبة وعسيرة ابتلاه الله بها، فلما أتمهن إبراهيم عليه السلام جعل الله تعالى له الإمامة.
وليس من شك أن هذه الإمامة غير النبوة، فقد كان إبراهيم نبيا من قبل، وكان مطاعا بحكم الله تعالى، يقول تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) النساء: 64. فقد كان إذن من قبل أن تعهد إليه الإمامة من جانب الله نبيا ومطاعا، فلا بد أن تكون الإمامة أمرا آخر غير النبوة والرسالة، والطاعة فيها غير الطاعة التي تتطلبها النبوة.
يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله في تفسيره القيم (الميزان) (1):
والقصة إنما وقعت في أواخر عهد إبراهيم عليه السلام بعد كبره، وتولد إسماعيل وإسحاق له، وإسكانه إسماعيل وأمه بمكة كما تنبه به بعضهم أيضا.
والدليل على ذلك قوله عليه السلام - على ما حكاه الله سبحانه بعد قوله تعالى له:
(إني جاعلك للناس إماما) -: (ومن ذريتي)، فإنه عليه السلام قبل مجئ الملائكة ببشارة إسماعيل وإسحاق ما كان يعلم ولا يظن أن سيكون له ذرية من بعده، حتى إنه بعد ما بشرته الملائكة بالأولاد خاطبهم بما ظاهره اليأس والقنوط، كما قال تعالى: