وهذا دليل آخر على أن الإمامة التي حبا الله تعالى بها إبراهيم هي أمر وراء النبوة والرسالة، وذلك أنه عليه السلام أتم هذه الكلمات في كبر سنه وشيخوخته، وقد كان في ذلك الوقت نبيا ورسولا، من جانب الله تعالى ومطاعا بأمره.
ويذهب بعض المفسرين مذاهب مثيرة للاستغراب في تفسير هذه الكلمات. ومن ذلك ما رواه بعضهم أن هذه الكلمات هي الخصال العشر التي تسمى خصال الفطرة، وهي قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وتقليم الأظافر، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، والاستحداد!!!
يقول الشيخ محمد عبده في التعليق على هذه الرواية: إن هذا من الجرأة الغريبة على القرآن، ولا شك عندي في أن هذا مما أدخله اليهود على المسلمين ليتخذوا دينهم هزوا. وأي سخافة أشد من سخافة من يقول: إن الله تعالى ابتلى نبيا من أجل الأنبياء بمثل هذه الأمور، وأثنى عليه بإتمامها، وجعل ذلك كالتمهيد لجعله إماما للناس وأصلا لشجرة النبوة، وإن هذه الخصال لو كلف بها صبي مميز لسهل عليه إتمامها، ولم يعد ذلك منه أمرا عظيما (1).
يقول الشيخ رشيد رضا صاحب تفسير المنار: كتب إليه رجل من المشتغلين بالعلم في سورية كتابا عقب قراءته رأي الشيخ محمد عبده في تفسير هذه الآية في مجلة المنار (2)، يقول فيه: إن تفسير الكلمات بخصال الفطرة مروي عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله فكيف يخالفه فيه، وشدد النكير في ذلك، وأطنب في مدح ابن عباس.