مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ٢ - الصفحة ٤١٢
لرضاه عنهم إلى الأبد، والدليل على ذلك قوله تعالى في هذه السورة في شان أهل هذه البيعة وتعظيمها:
(ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما).
فلو لم يجز ان يكون في المبايعين من ينكث بيعته وكان رضا الله عنهم مستلزما لرضاه عنهم إلى الأبد لا فائدة لقوله تعالى: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه).
وأيضا قد دلت آيات من القرآن وأحاديث صحيحة على وقوع غضب الله تعالى وسخطه على من يرتكب بعض المعاصي، ومع ذلك لم يقل أحد بان هذا مانع من حسن ايمانه في المستقبل، وذلك مثل قوله تعالى في سورة الأنفال:
(ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير).
فإذا لم يكن بو شخص أو قوم إلى غضب الله مانعا من حسن حاله في المستقبل لم يكن رضاه أيضا سببا لعدم صدور فسق أو كفر من العبد بعد ذلك.
والقول بدلالة الآية على حسن حال المبايعين مطلقا، وعدم تأثير صدور الفسق عنهم في ذلك مستلزم للقول بوقوع التعارض بين هذه الآية وبين آية الأنفال المذكورة فيمن ولى دبره عن الجهاد من المبايعين، لأنها أيضا تدل باطلاقها على سوء حال من يولى دبره، وعدم تأثير صدور الحسنات في رفع ذلك.
هذا وقد اخرج مالك في الموطأ في باب الشهداء في سبيل الله، من كتاب الجهاد عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله انه بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لشهداء أحد:
هؤلاء اشهد عليهم، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله السنا بإخوانهم أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا، فقال رسول الله: بلى ولا ادرى ما يحدثون بعدي، قال: فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال: أئنا لكائنون بعدك؟
وهذا الحديث صريح بان حسن خاتمة مثل أبى بكر من الصحابة المبايعين المهاجرين موقوف على ما يحدث بعد الرسول صلى الله عليه وآله.
هذا مختصر الكلام حول مدلول الآية الكريمة، وعليه ليس المستفاد منها ان أبا بكر وعمر لم يمحضا الايمان، نعم لا يثبت بها ايمان واحد معين من المبايعين على نحو التفصيل،
(٤١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 ... » »»