بن خلف قال: نزلنا مسجدا في المنزل المعروف بالعباسية على مرحلتين من فسطاط مصر، وتفرق غلماني في النزول وبقى معي في المسجد غلام أعجمي، فرأيت في زاويته شيخا كثير التسبيح، فلما زالت الشمس ركعت وصليت الظهر في أول وقتها ودعوت بالطعام، وسالت الشيخ ان يأكل معي فأجابني، فلما طعمنا سالت عن اسمه واسم أبيه وعن بلده وحرفته ومقصده، فذكر ان اسمه (محمد بن عبد الله) وانه من أهل قم وذكر انه يسيح منذ ثلاثين سنة في طلب الحق وينتقل في البلدان والسواحل، وانه أوطن مكة والمدينة نحو عشرين سنة يبحث عن الاخبار ويتتبع الآثار، فلما كان في سنة ثلاث وتسعين ومائتين طاف بالبيت ثم صار إلى مقام إبراهيم عليه السلام فركع فيه وغلبته عينه فأنبهه صوت دعاء لم يجر في سمعه مثله، قال: فتأملت الداعي فإذا هو شاب أسمر لم أر قط في حسن صورته واعتدال قامته، ثم صلى فخرج وسعى فاتبعته، وأوقع الله تعالى في نفسي انه صاحب الزمان عليه السلام، فلما فرغ من سعيه قصد بعض الشعاب فقصدت اثره، فلما قربت منه إذا انا بأسود مثل الفنيق قد اعترضني فصاح بي بصوت لم اسمع أهول منه، ما تريد عافاك الله فأرعدت ووقفت، وزال الشخص عن بصري وبقيت متحيرا، فلما طال بي الوقوف والحيرة انصرفت، ألوم نفسي وأعذلها بانصرافي بزجرة الأسود، فخلوت بربي عز وجل ادعوه واساله بحق رسوله وآله عليهم السلام الا يخيب سعيي وان يظهر لي ما يثبت به قلبي ويزيد في بصري، فلما كان بعد سنين زرت قبر المصطفى صلى الله عليه وآله فبينا انا اصلى في الروضة التي بين القبر والمنبر إذ غلبتني عيني فإذا محرك يحركني، فاستيقظت فإذا انا بالأسود فقال: وما خبرك؟ وكيف كنت؟ فقلت: الحمد لله واذمك، فقال:
لا تفعل فانى أمرت بما خاطبتك به، وقد أدركت خيرا كثيرا فطب نفسا وازدد من الشكر لله عز وجل على ما أدركت وعاينت، ما فعل فلان؟ وسمى بعض إخواني المستبصرين فقلت: ببرقة، فقال: صدقت، ففلان؟ وسمى رفيقا لي مجتهدا في