هذا، وكما تلونا عليك، المحدثون والعلماء أيضا متفاوتون في مراتب معرفتهم بهم، فبعضهم أقصر من البعض، بل وبعضهم أقصر من البعض في امر وشأن من شؤونهم في حال كونه أكمل وارفع منه ومن الكثيرين في سائر شؤونهم. فمثل الصدوق رضوان الله تعالى عليه يرى أول درجة في الغلو نفى السهو عن النبي صلى الله عليه وآله، فربما كان رجل عند شخص غال وهو صحيح المذهب عند غيره، وهذا باب يدخل فيه اجتهاد الرجاليين وآراؤهم في الغلو، بل وغلوهم في امر الغلو وشدة تحفظهم عن الوقوع فيه، فيتهم بعضهم على حسب اجتهاده أو رأيه رجلا بالغلو في حين انه يراه غيره مستقيم المذهب، فالاعتماد على حكم البعض بالغلو انما يجوز إذا كان ما هو الملاك عنده في الغلو معلوما لنا وملاكا عندنا أيضا، وكان مستنده في اسناد الغلو إليه أيضا معتبرا عندنا، فلا اعتماد على الاجتهاد والشهادة الحدسية، والا فلا عبرة برميه به ولا نحكم عليه به فضلا من أن نعد ذلك موجبا لعدم الاعتماد على رواياته، سيما إذا كان الرجل من المشايخ وتلامذة الشيوخ، موصوفا بالصدق والوثاقة، وكيف يجوز الحكم بكون رجل كمحمد بن بحر (وهو كان من المتكلمين، عالما بالاخبار، فقيها، مصنفا نحوا من خمسمائة مصنف ك) من الغلاة، بمجرد ان بعض معاصريه (الكشي) وان بلغ في جلالة القدر ما بلغ، عده من الغلاة، من دون ان نعرف رأيه في الغلو بالتفصيل ومستنده في اسناد ذلك إليه، فلعل الكشي كان يرى القول في مسالة بالسلب والايجاب من الغلو وهو لا يرى ذلك وكان هو محقا، فلا ينبغي الاعتماد على اجتهاد الغير في الحكم بالغلو ورد روايات من رمى به سيما إذا كان ذلك بالاجمال والابهام.
ويحتمل ان يكون رمى محمد بن بحر هذا بالغلو لتفضيله الأنبياء والأئمة عليهم السلام على الملائكة أو اخراجه في الأئمة عليهم السلام ما يستغربه من لم يعرفهم حق معرفتهم، من جملتها ما روى عن حبيب بن مظاهر وهذا لفظه: (فقد روى لنا عن حبيب بن مظاهر الأسدي بيض الله وجهه انه قال للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: أي شئ كنتم قبل ان يخلق الله عز وجل آدم عليه السلام؟ قال: كنا أشباح نور، ندور حول عرش الرحمن فنعلم الملائكة التسبيح والتهليل والتحميد) ثم قال: ولهذا تأويل دقيق ليس هذا مكان شرحه وقد بيناه في غيره.
واما ما جعله الناقد شاهدا لعدم صحة سنده من أن الصدوق يروى عن سعد بواسطة أبيه أو شيخه ابن الوليد، مع أن هذا الخبر قد تضمن أربع وسائط منكرين گ.
فأقول: اما تضمن الخبر أربع وسائط فليس كذلك بل هو متضمن لخمس وسائط، واما كونهم منكرين فقد عرفت ما فيه. واما كون تضمن الخبر أربع أو خمس وسائط شاهدا لعدم صحة سنده مع أن الصدوق قد روى عنه بواسطة واحدة، ففيه ان الاستشهاد بذلك غريب، فإنه كما يمكن ان يروى عن سعد بواسطة شيخ واحد، يمكن