مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٣٧٧
وأهل الدنيا الجبابرة، - فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين (1) -، ولا تعرف قبورهم، وإن عرفت، فالناس يعرضون عنها ولا يسألون عنها، ولا يعتنون بها كاعتنائهم بآثار أولياء الله ورجال الدين والخير، فلا ريب أن ما ذكر إنما هو من العبر، وما أكثر العبر وأقل الاعتبار، وقد عزف عن قبر هارون والترحم عليه حتى أهل السنة، فلم يقصده أحد تقربا إلى الله تعالى، أو تقديرا لشخصيته في حين أن أكابر العلماء من أهل السنة، كانوا ولا يزالون يزورون مرقد علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في البقعة الهارونية، ويقدسون قبره، ويروون عنه الكرامات، كما يزورون قبر والده الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) في الكاظمية (بغداد)، الذي أخذه هارون ظلما، وحبسه، ثم أمر السندي بن شاهك بقتله.
وإن أراد بحديثه هذا، إبداء الأسف على عدم معرفة قبر هارون، وكان يود أن يكون له ضريح كضريح الإمام الرضا (عليه السلام) ويحترمه المسلمون كاحترامهم للإمام، فهذا أمر لا يتوقعه إلا من لم تكن له بصيرة بفلسفة الاجتماع وآثار مواقف الرجال، فموقف الإمام الرضا وسائر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) موقف يجذب العواطف، وينفذ إلى أعماق القلوب، ويحبب صاحبه إلى كل قريب وبعيد، بينما موقف أعداءهم وظالميهم موقف يجعل صاحبه معرضا للطعن، وتنفر منه القلوب، وتشمئز منه النفوس، ويبغض صاحبه إلى كل قريب وبعيد.
وإن من أقوى الأدلة على حرية التفكير الإسلامي واستقرار روح العدل والمساواة، والنفور من الدكتاتورية والظلم عند المسلمين، عدم اعتنائهم بآثار الجبابرة، واعتناءهم بآثار أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة والعلماء والمصلحين المشهورين بالغيرة على الإسلام والجهاد ضد استبداد المستبدين.
وإني - وقد ساقنا الحديث إلى هنا - أرى أنه من الضرورة بمكان أن نعلن - كمسلمين واعين - عدم شرعية حكومة هؤلاء المستكبرين أو أولئك الذين ملكوا المسلمين،

(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 383 ... » »»