على أن دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله) وتربيته، أثرت في جميع الصحابة حتى المنافقين منهم، فغير تفكيرهم ومسير حياتهم، فعرفوا للإنسان حقوقا لم يكونوا يعرفونها، لولا هداية الله تعالى وتعاليم رسوله، وقدمت في مجالات مختلفة رجالا وأبطالا، وإذا قسنا نجاح دعوة الإسلام بنجاح الدعوات الأخرى، رأينا الإسلام أكثر نجاحا من الجميع.
فالإسلام، وإن لم ينجح بعد في جميع أهدافه ومطالبه وأغراضه، لكنه قدم للبشرية مثالا رائعا ونموذجا حيا من الرجال الكمل، أمثال أبي ذر وسلمان ومقداد وعمار وسعد بن معاذ وخزيمة بن ثابت وابن التيهان وخباب بن الأرت وحجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي وغيرهم، وبهؤلاء الرجال والآلاف من الجهابذة والأبطال ورجال التضحية والآباء والمثل الإنسانية العليا، الذين أنجبهم الإسلام، خلال أربعة عشر قرنا، تعرف قيمة تربية الإسلام وأهدافه ومقاصده.
ولا يعاب على الإسلام أو الدعوة إن ظهر فيها أشقى البرية كابن ملجم المرادي ويزيد ومسلم بن عقبة والحجاج، بل يجب أن نعرف الأسباب التي دعت للقيام في وجه هذه الدعوة، ومسخها حتى آل أمر الأمة إلى حكومة هؤلاء.
فلا ينبغي لنا تبرئة الخاطئين والخائنين رغم المصادر الوثيقة، ورغم ما نعرف عنهم من الخطأ والخيانة، من أجل أن لا يسئ أحد ظنه، خاصة إذا كان يجهل الأمور، ولا يعلم المقاييس الصحيحة، فإن الإسلام أعلى وأقوى برهانا من أن يمس كرامته هذا الزعم الفاسد.
وهذا المنطق، يؤدي بنا، إذا ما أحسنا الظن واعتبرنا ما فعله بعض السلف والصحابة، حسنا وسليما وشرعيا، إلى اتهام الإسلام وتعاليمه، بأن هذه التعاليم وهذه المناهج لا تهدي - والعياذ بالله - إلى الرشاد والعدل والمساواة والمواساة، وإلى الصلاح والإصلاح.
والحق هو إسناد كل فعل حسن، صدر منهم إلى الإسلام وتربيته، وإلى هدى القرآن، وإسناد أفعالهم المخالفة لهدى القرآن وغير اللائقة بشأنهم، إلى أنفسهم.
فمثلا وقعة الحرة وأضرابها من الوقائع الكثيرة، التي وقعت أيام خلفاء بني أمية وبني العباس والتي سودت وجه التاريخ، ليست من آثار دعوة الإسلام، ولا علاقة لها - بعيدة