ولكن مع ذلك لم تقابل الشيعة غيرهم بالقول بالتحريف لما في جوامعهم ومسانيدهم من الأخبار الصريحة الدالة عليه:
أولا: لأن غيرهم إلا النزر القليل الذين لا يعتد بهم متفقون مع الشيعة على صيانة الكتاب من التحريف.
وثانيا: لأن رميهم بهذا القول يحط من اعتبار القرآن وإصالته، والشيعة لا تسلك طريقا ينتهي إلى ذلك.
وثالثا: لأنهم في المسائل الخلافية يعتمدون على أقوى الحجج والأدلة من الكتاب والسنة ولا يحتاجون إلى رمي غيرهم بمثل ذلك.
والذين يتهمون الشيعة بهذا القول لجؤوا إلى ذلك حيث رأوا أنه لا حجة لهم في المسائل الخلافية على الشيعة، فرموهم بافتراءات هم أبعد عنها من المشرق عن المغرب، ومن جملتها نسبة القول بتحريف الكتب والاعتقاد - والعياذ بالله - بألوهية الأئمة (عليهم السلام)، أو أن أمين الوحي جبرائيل خان، لأنه كان مأمورا بالنزول على الإمام ونزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعياذ بالله، وفسروا به ما قيل في أبي عبيدة الجراح الملقب بالأمين: خان الأمين وصدها عن حيدر! فسروا ذلك أنه في جبرئيل (عليه السلام)، إلى غير ذلك من الافتراءات التي سوف يحاكمهم الشيعة عليها عند الله تعالى، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
وأعجب من ذلك أنهم في الموسم الذي يأتي الناس من كل فج عميق لحج بيت الله الحرام العتيق، والحضور في أعظم مشاهد عظمة الله تعالى، وأكرم المواقف القدسية العبادية التي يظهر فيها جلال وحدة الأمة، وعزة توحيد كلمتهم، وإعلانهم نفي الطواغيت والمستعبدين المستكبرين بإعلان كلمة التوحيد، كلمة الإسلام وكلمة الحرية، وكلمة المساواة الإنسانية، وكلمة السماء والأرض.
نعم، في مثل هذا المشهد العظيم، والمؤتمر الكبير الذي ينبغي، بل يجب على المسلمين، سيما علمائهم ومصلحيهم وقادتهم أن يجلسوا على بساط واحد، بساط الاخوة الإسلامية، والإعتصام بحبل الله تعالى، وينظروا فيما أحاط بالمسلمين، وابتلوا به من المشاكل والمصاعب وفي علاجها، فهذه فلسطيننا العزيز أولى القبلتين أرض