هذا في الموارد المذكورة، وأما في الموارد التي يتفاوت آثار وجود هذه الظاهرة مع غيرها فالقول بتنقيح المناط باطل قطعا.
ثم إنه لا يخفى عليك أنه لا مجال للبحث عن موضوعية الفجر أو طريقيته عند القائل بموضوعية التبين في قوله تعالى (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) إلا إذا كان ما يعد الفجر طريقا إليه قابلا للتبين مثل الفجر حتى يقول بقيام تبينه مقام تبين الفجر وأما إذا لم يكن ذلك الامر قابلا للتبين فلا مجال للبحث عن طريقية الفجر أو موضوعيته مع القول بموضوعية التبين وهذا واضح جدا.
الأمر الثاني في مفهوم لفظ (الفجر) لغة واصطلاحا قال الراغب في مفرداته: الفجر شق الشئ شقا واسعا (إلى أن قال) ومنه قيل للصبح:
فجر لكونه فجر الليل قال: (والفجر وليال عشر - إن قرآن الفجر كان مشهودا) وقيل:
الفجر فجران الكاذب وهو كذنب السرحان والصادق وبه يتعلق حكم الصوم والصلاة).
وفي لسان العرب: الفجر ضوء الصباح وهو حمرة الشمس في سواد الليل، وهما فجران أحدهما المستطيل وهو الكاذب الذي يسمى ذنب السرحان، والآخر المستطير وهو الصادق المنتشر في الأفق الذي يحرم الأكل والشرب على الصائم، ولا يكون الصبح إلا الصادق، قال الجوهري: الفجر آخر الليل كالشفق في أوله.
أقول: يمكن أن يقال: إن الفجر موضوع للضوء الحادث المنتشر في الأفق ويفجر ظلمة الليل التي حصلت بسبب غروب الشمس، وتكملت ووصلت إلى نهايتها بسبب بعد الشمس عن الأفق، سواء وصلت الظلمة إلى نهايتها بانعدام نور الشمس عن الأفق بالمرة بسبب غيبوبتها كما هي الحال في البلاد المتعارفة، أو لم تصل وبقي تمام الليل بواسطة عدم غيبوبة الشمس بتمام ضوئها عن الأرض ذا نور كنور الفجر، ففي كلتي الصورتين النور يطلع ويفجر الظلمة الحادثة بسبب غروب الشمس وإن كانت ظلمة الليل في الصورة الثانية ضعيفة، إلا أنه لاشك في وجودها كظلمته في أول الليل التي هي